Al Jazirah NewsPaper Thursday  11/02/2010 G Issue 13650
الخميس 27 صفر 1431   العدد  13650
 
التوظيف وسيلة مكافحة الجريمة
د. عبدالله بن سعد العبيد

 

قد يبدو من خلال العنوان الجدلي أنني أحمل تصوراً فرضياً لأصل وسبب الجريمة واضعاً إياه في دائرة الآخر البعيد، ضمن رؤية أيديولوجية صارمة تُحمل البطالة أو العطالة مآل الأمور السلبية ضمن فلسفة فكرية أحادية الجانب. لكنني لا أزال مصراً على تأكيد سلبية إفرازات الحالة القاتلة التي يعيشها شاب في مقتبل عمره وقد جمع ما يستطيع من علم ومعرفة للحصول على ما يوفر له ولمن يعول حياة كريمة.

تلك الجريمة التي يصنفها كثيرون بمفهومها التقليدي البريء ضمن فعل الشر الذي يقوم به إنسان بغية الوصول لهدف معين سواءً كان مدركاً لما يقوم به أو غير مدرك، وهي أي الجريمة بمعناها القاموسي النفسي والاجتماعي، السلوك الإنساني الجنائي الذي يقوم به الإنسان وهو فاقد لجزء أو كل من وعيه الإدراكي ويصبح تصرفه خارجاً عن القانون وغير مقبول ولا مألوف اجتماعياً، وبالتالي تكون انعكاسات سلوكه السلبي ذلك بحق نفسه أو مجتمعه. ويُعرف علم النفس الجريمة بأنها إشباع لغريزة إنسانية بطريقه شاذة لا يقوم به الفرد العادي في إرضاء الغريزة نفسها وهذا الشذوذ في الإشباع يصاحبه علة أو أكثر في الصحة النفسية وصادف وقت ارتكاب الجريمة انهيار في القيم والغرائز السامية. أو الجريمة هي نتاج للصراع بين غريزة الذات - أي نزعة التفوق - والشعور الاجتماعي. وللجريمة أسباب نفسية واجتماعية قد لا يكون المجال مناسباً لسردها، لكن علينا أن نؤكد أن ما من جريمة تُرتكب إلا وهناك سبب، وقد يكون من تلك الأسباب الدافعة لارتكاب الجريمة على سبيل الذكر وليس الحصر، الحاجة أو الانتقام أو السيطرة وتلك عوامل مجتمعة أو منفردة تتوافر كدوافع لدى العاطل عن العمل ممن فقدوا أو ضعُف لديهم الوازع الديني والأخلاقي وقد أشرت سابقاً لغياب الإدراك وتعطيل الوازع النفسي الذي يقف بين الإنسان وقيامه بفعل خارج عن القانون.

كثيرة هي الدول التي تعاني اليوم من ارتفاع معدلات الجريمة بأشكالها وأنواعها المختلفة وأسبابها ودوافعها المتعددة، وباختلاف أنواع وأشكال الجريمة، فإن ارتفاع معدلاتها وتزايدها لا شك يهدد أمن تلك الدول ويدفعها للأخذ بالرادع الأمني الذي يُشكل هو الآخر مبعثاً للشعور بعدم الأمان لدى المواطن العادي، ما يزيد أخذه للاحتياطات اللازمة خوفاً من استفحال الأمر وانعكاسه عليه وعلى بيته وعائلته ومصالحه.

إن أكثر ما يُثقل كاهل الدولة هو ما قد يحدث من انفلاتات أمنية نتيجة تزايد معدلات الجريمة وارتفاع أعداد الضحايا وغياب الشعور بالأمن، فتبدأ الدول بالدفاع عن أمنها داخلياً من خلال محاربتها للجريمة بكل ما أوتيت من قوة لبسط سيطرتها وفرض هيمنتها مجدداً الأمر الذي ينعكس عليها اقتصادياً ويُضعفها سياسياً واجتماعياً. بينما تذهب دول أخرى لمحاولة إيجاد سبل ووسائل وقائية تفادياً لخوض معارك ضد الجريمة والمجرمين من جهة، ومن جهة أخرى لقناعتها بعدم جدوى معالجة الجريمة بعد وقوعها وضرورة العمل على إزالة ما يمكن من أسباب الجريمة وتقليل احتمالات حدوثها.

لذلك يجب القول اليوم بأن من الأسباب المؤدية للجريمة، بل قد يكون أهمها هو العطالة أو البطالة أو عدم العمل والشعور المصاحب لتلك الحالة لدى العاطل عن العمل. ويكون دافع مرتكب الجريمة في تلك الحالة إما الحاجة نتيجة عدم وجود دخل مادي لديه أو الرغبة للانتقام من المجتمع أو الدولة نتيجة تحميلها مسؤولية إيجاد وظيفة للعاطل إلى آخر الأسباب والدوافع التي تؤدي بالشخص العادي إلى الانحراف ومن ثم إلى ارتكاب منافي الأخلاقي وما قد يصل منها إلى درجة الجريمة بمعناها الصريح. إلى لقاء آخر إن كتب الله.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد