في الحياة المعاصرة لم تقتصر التنمية على الماديات، بل اتسعت في بلادنا لتشمل تنمية الإنسان ثقافياً، وفكرياً، واجتماعياً، وتاريخياً، ولم يكن لجغرافية المكان، أو عدد القاطنين فيه الدور الأكبر، أو الوحيد في اجتذاب مكونات الثقافة بكل عناصرها، واجتلاب المثقفين على اختلاف أطيافهم، فقد تسمو همم الرجال، وطموحات المواطنين بدعم وتوجيه ومساندة من القيادة إلى اختلاق المكونات، مهما كانت الظروف والعوامل والمعوقات.
بين كثبان رملية ذهبية، وسلسلة جبل (طويق) الشامخ تنتفض ثقافة، من هناك من (الغاط)، حيث يقع مركز (الرحمانية الثقافي)، ينبثق منه اشعاع ثقافي وحضاري، ملبيا رغبات، وهوايات، ومناشط أبناء (سدير) بمحافظاتها، وقراها، وهجرها، بحواضرها، وبواديها.
بين فترة وأخرى يكون هناك تظاهرة ثقافية، تتجه الأنظار لها، وتتسابق الأقدام عليها، مختصرة المسافات الشاسعة من ربوع وطننا الغالي إلى هناك.
بالفعل هناك يوم للتاريخ، ويوم للسياحة، ويوم للثقافة، ويوم للأدب، ويومٌ للاقتصاد، وكلها من مقومات الحضارة التي ننشد. في تلك المنارة الثقافية الرجال والنساء يعملون جنباّ إلى جنب، ويداّ بيد، سواعد متكاتفة تقود التنوير الثقافي بنظرة متفائلة، وعزائم وثابة إلى المستقبل، حلمهم الكبير، وأملهم العريض ألا تكون هذه (المنارة) منبراً للشعر، أو القصة، أو المحاضرة فحسب، بل احتضان كل أصناف وألوان الفنون والأنشطة ضمن رؤية متكاملة، تستمد مضامينها وتوجهاتها من السياسة الإعلامية، والثقافية، والتعليمية التي رسمتها الدولة في كافة مؤسساتها.
في اعتقادي أن القائمين على المركز، والمشاركين بفعالياته على وعي تام، وإدراك كامل بحساسية المرحلة التي نعيشها مع غيرنا، ويدركون أهمية الدور الثقافي، وتأثيره المباشر على المجتمع الواعد بكافة شرائحه.
لقد بات من المؤكد عندنا أنه لا يمكن أن نتطور ونجدد في أساليب حياتنا، وطريقة تفكيرنا ما لم نكتشف أزماتنا الفكرية، ونعلن عنها بجرأة، ونناقشها بكل تجرد ووضوح وصراحة. هذا الهاجس أو الهم للمراكز الثقافية، ومنها مركز الأمير (عبد الرحمن السديري رحمه الله) دور في بلورته وإعادة طرحه من جديد، وبأسلوب عصري.
في عقود غربت كانت هناك عوامل جذب لهذا المكان، تختلف نوازعها عما أثرناه في هذا السياق، والشعر هو الشاهد، والراصد، والمؤرخ لما نقول.
لنستمع كيف كان أحد أبناء هذه (البلدة) (محمد بن أحمد السديري)، وهو يبوح عن بواعث الحب والحنين والشوق، فيقول:
قالو وحيد، وقلت ما عندي أوناس
قالوا غريب وقلت: برضٍ بعيده
في وسط (نجد) اتبع هوى كل نسناس
واطرب لشوف طيورها وتغريده
عندي رعدها مع سهلها والاطعاس
غابات وردٍ في زهور نضيده
الأوفياء وحدهم هم الذي ن يحولون الحلم الكبير إلى حقيقة، وها هي عوامل الجذب تتحقق لهذا المكان ولكن بأسلوب آخر. نعم تتحقق في ظل تطلعات كبيرة، وخطط طموحة يقودها (خادم الحرمين الشريفين)، وها نحن نشاهد في كل منطقة، وفي كل محافظة من بلادنا الغالية منارات ثقافية تتفاعل مع الواقع، محلياً، وعربياً، ودولياً. ا - هـ
dr_alawees@hotmail.com