(معقَّدة) كلمة سادت وحكمت جملة من الناس.. الذين أسلموا لها الرقاب، وسلموا لها الحبال؛ فنسجت من عمق اعتقادهم قيداً.. ومن خنوعهم مشنقة..
عقلتهم بعض معتقداتهم فشدت الوثاق.. وثاقاً أضحت فكرة التحرر منه ضرباً من ضروب الحرام والجرم واللامعقول..
ضاق بهم سجنها حتى غدا في ظنهم أن سورها حد وما دونه ساحة.. وتراءت لهم على تلك الأسوار حبائل ملأى بالعقد..
حكى لنا يوماً أحد المحاضرين: «في إحدى جامعات كولومبيا حضر الطلاب محاضرة مادة الرياضيات، غير أن أحد الطلاب نام أثناء المحاضرة، ثم استيقظ على أصوات الطلاب بعد نهايتها. نظر إلى السبورة فوجد الدكتور قد كتب عليها مسألتين. نقلهما وخرج من القاعة، وفي بيته بدأ يفكر في حلهما. ولصعوبتهما جمع بعض المراجع اللازمة، واستغرق جهداً ووقتاً في محاولة حل هاتين المسألتين؛ فاستطاع حل المسألة الأولى، ثم سلمها لأستاذ المادة الذي قال له منبهراً: لم تكن هاتان المسألتان واجباً! إنهما مسألتان استعصى على العلماء حلهما، وقد عرضتهما لغرض التوضيح! وها أنت قد حللت إحداها!».
ويوماً قرأت قول أحدهم:
«كنت يوماً أفكر في حيوان الفيل، وكيف لمخلوق ضخم كهذا الحيوان أن يقيده حبل صغير يلف حول أقدامه، لِمَ لا يستطيع هذا الفيل بضخامته وقوته أن يتحرر منه؟ سأل حارس الحديقة عن السبب؟
فأجابه بقوله: إنها حينما كانت حديثة الولادة، وأصغر بكثير مما هي عليه الآن، كانت تلك القيود كافية لتقييدها.. صحيح أنها اليوم كبرت، لكن شيئا آخر كبر معها.. إنه (اعتقادها)؛ فما زالت معتقدة أنها غير قادرة على فك القيد والتحرر منه..».
تُرى ماذا لو أعدنا النظر في كثير من الأسوار والعقد والقيود؛ فلربما كان أعتى عقدها هو قناعتنا بقوتها..
(أخاف القيود وليل السجون
وهل بالقيود يكون العطاء..؟!
أريد الحياة ربيعاً وفجراً
وحلماً أعانق فيه السماء
فماذا تفيد قيود السنين
نكبل فيها المنى والرجاء؟)
(فاروق جويدة)
almdwah@hotmail.com