Al Jazirah NewsPaper Wednesday  10/02/2010 G Issue 13649
الاربعاء 26 صفر 1431   العدد  13649
 
ايقاعات
هل عروبة العراق في خطر..؟!
تركي العسيري

 

في البدء لا بد لي أن أعترف وأنا بكامل قواي العقلية والجسدية أنني أنتمي -فكرياً على الأقل- إلى شريحة منقرضة -أو تكاد-، تؤمن أن الوطن العربي الممتد من الماء إلى الماء، وطن واحد، ذو تاريخ مشترك، وهموم مشتركة، وعدو مشترك، و(أمراض مشتركة)، ناهيك عن اللغة والدين، وأرى أنه لا عزة لنا، ولا قوة، ولا كرامة، إلا بوحدته، وتضامنه، ولمّ صفوفه وفق معايير واتفاقات ونظم ملزمة تفعل بشكل جدي بعد أن يتم إحداث تغيرات جوهرية تكرس مفهوم الوحدة كإيجاد سوق عربي مشترك، قوة ردع مشتركة، محكمة عدل عربية.

لو حدث هذا، فهل كان بمقدور عدو أن يتجرأ ويستفرد بنا.. ألم يقل شاعرنا (الوحدوي):

تأبى الرماح إذا اجتمعنا تكسرا

وإذا افترقن تكسرت آحادا

والملفت أنه في الوقت الذي تتكتل فيه القوى العظمى وتتحد وتكشّر عن أنيابها، دون أن يكون لها مؤهلات التوحد في اللغة والعرق.. نتقوقع في أقبية الأوطان الصغيرة، ونشغل أنفسنا وشبابنا بالخلافات المذهبية والعرقية والسياسية.

لقد أساء (صدام حسين) وغيره للفكر القومي إساءة لا تغتفر من خلال احتلال الكويت مما جعلنا نحن الذين نتغنى بالوطن العربي الواحد، وبالكرامة العربية، والمصير المشترك نتوارى خجلاً من جراء فعلته.. لاعتقادنا أن دم وأرض الشقيق محرم وهو خط أحمر لا يمكن تجاوزه، ويدخل ضمن الخطيئة التي لا تغتفر.

وكمواطن عربي صغير أعتقد أن ما يجري في العراق من (تهميش) للتوجه العروبي أمر بالغ الخطورة بحيث إننا ما عدنا نسمع عن العراق العربي.. إلا مقاطع خجولة لبعض الزعماء السنة.. أما ما عداهم فالحديث عن الفيدرالية والأقاليم يتم بلغة موغلة في طائفيتها، فإخوتنا الأكراد الذين تقاسمنا معهم رغيف الخبز والمعاناة الواحدة كفروا -كما يبدو- باللغة العربية، وعدوها لغة دخيلة تكرس هيمنة الاحتلال العربي لهم.

وإخوتنا الشيعة لا يبالون بعروبتهم، وبعضهم أطلقوا على من ينادي بالعروبة أنه من أزلام (القومجية)!

أتساءل بحزن: إذا لم يكن العراق عربياً.. فمن العربي فينا؟!

ومن نحن بدون تراثنا العربي الخالد الذي نبع من العراق؟

الكفر بالعروبة خيانة للأمة ونكوص لكل القيم التي تربينا على احترامها.

قدرنا كعرب أن نعيش إخوة متحابين متوحدين يشد أزر بعضنا البعض.. والمطلوب منا أن نعلو فوق الانتماءات العرقية والمذهبية، فالعروبة ليست عرقاً بل هي إيمان باللغة والدين والأرض والإنسان والأهداف المشتركة.. العروبة الحقة هي ممارسة فعلية لتأصيل الولاء والانتماء لهذا الكيان الكبير الذي يجمعنا.. ولن يضيرها ما يطلقه دعاة الأممية والشعوبية الذين تنكروا لأوطانهم، وسببوا لها الفرقة والدمار والتخريب.

المطلوب منا أيضاً كعرب أن نلغي من قاموسنا كل مفردات الخلاف التي تفضي إلى التشرذم والانزواء.

ما يجري في العراق اليوم من تغييب للبعد القومي.. هو مؤامرة خبيثة لطمس الهوية العربية والتخندق في أقبية المذهبية الضيقة والتي ستجره حتماً إلى هاوية الحرب الأهلية، وتحوله إلى دويلات تتقاتل فيما بينها. وأملي أن يرتقي العراقيون فوق كل الخلافات والمذاهب.. ليبقى العراق العربي حاضناً لكل التراث الخالد في ذاكرتنا العربية.

وفي ظني أن إخوتنا في بلاد الرافدين لن يبيعوا بغداد الرشيد، والمأمون، والمتنبي، بثمن بخس، وسيقفون حتماً في وجه كل دعاة الانسلاخ من الجسد العربي المتطاول.

لديّ إحساس لا يخطئ.. بأن سقوط الوجه العربي للعراق سيتبعه سقوط وجوه أخرى عربية.. فمخطط تدمير التوجه القومي للأمة العربية قديم وقد فطن إليه أعداء الأمة باعتباره السد المنيع الذي يقف حائلاً دون تحقيق أهدافهم ومخططاتهم الشريرة في تفتيت الوطن العربي الكبير وتحويله إلى دويلات مذهبية وعرقية.

هل تراني أحلم؟

لا بأس، فالأفكار العظيمة دائماً ما تبدأ بأحلام صغيرة.. كحلمي هذا!؟.



alassery@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد