Al Jazirah NewsPaper Friday  05/02/2010 G Issue 13644
الجمعة 21 صفر 1431   العدد  13644
 
انتحاريات إرهابيات
د. وحيد بن حمزة عبد الله هاشم

 

بغض النظر عما يمكن أن يقال أو يساق من مبررات فكرية، أو أدلة عقدية، أو حجج وبراهين حاقدة عن العملية الانتحارية الإرهابية التي نفذتها امرأة في موكب للزوار الشيعة في العراق مؤخرا وراح ضحيتها أكثر من أربعين من القتلى والعشرات من الجرحى، فإن العملية من حيث الغاية ومن حيث الهدف والمستهدف تصنف، بل وتعد من العمليات الانتحارية الإرهابية التي لا يتحقق من ورائها إلا العنف والموت والدمار المتبادل فيما لو نشبت الفتنة الطائفية والمذهبية في العراق، التي من السهل جدا أن تتفجر وتتسع كما تنتشر النار في الهشيم، وما أكثر الهشيم في ربوع المنطقة برمتها.

العملية لا شك أن وراءها ما وراءها من محاولة جادة لإعادة الفتنة والاقتتال المذهبي والطائفي إلى العراق؛ حتى يبقى العراق مرتعا خصبا للتطرف والإرهاب وللقوى البعثية أيضا، فالعراق القوي الآمن المستقر لا يمكن أن يحتضن هكذا جماعات خارجة على القانون والشرع وعلى القيم والأخلاقيات الإنسانية. فالانتحارية الإرهابية أيا كان من يقف وراءها ودفعها لإزهاق روحها وأرواح الآخرين، فجرت نفسها بهدف تفجير الأمن والاستقرار في العراق.

من جانب آخر فإن عودة تنظيم القاعدة (ومن هم على شاكلته، أو ممن يتعاطفون معه أو يدعمونه أو يحاكونه ويقلدونه، ممن يؤمنون بالعنف والدمار كوسيلة من وسائل التفاهم والتعامل مع الآخرين) إلى تجنيد ومن ثم توظيف النساء للقيام بالعمليات الانتحارية الإرهابية لمؤشر ساطع لا يدل وحسب على يأس وقنوط التنظيم، وإنما يؤكد على إفلاسه وفشله في استقطاب الرجال والشباب، لهذا بات يركز على استلاب عقول النساء ولربما الأطفال...وهنا مكمن الخطورة.

فالنساء يعتبرن من دوائر المحظورات والممنوعات في الأعراف الاجتماعية العربية والإسلامية، فهن الأقل لفتا لانتباه النظر الأمني، والأقل خطورة نظرا على المجتمع الأمني لحقيقتهن النفسية والجسمانية، وهن الأكثر ترحيبا في المجتمع نظرا لمواقعهن الاجتماعية والإنسانية. وينطبق الأمر كذلك على الأطفال سواء من حيث عوامل البراءة والعمر وأيضا نعومة التكوين الجسدي وحداثة الخلفية الفكرية.

هنا تحديدا التحدي الكبير الذي يكمن لا بل ويواجه العالم كله عامة والعالم العربي والإسلامي خاصة، فهو التحدي الجديد الذي سيفرض نفسه على العلاقات الإقليمية والدولية، ويصعد من الخطوات والتدابير الأمنية الجديدة المكثفة والمعقدة والمقلقة لكل من ينتقل أو يتنقل من مكان لآخر خارج نطاق منطقته خصوصا المسافرين من السياح وغيرهم الذين ستتراكم على كواهلهم وأنفسهم المشقات والمعاناة بعد أن أصبح جميع البشر رجالا ونساء وأطفالا، شبابا وشيوخا، مدعاة للشكك والريبة وللظنون الأمنية.

نتيجة لذلك الحدث الذي يمكن تكراره في كل مكان، فإن العالم كله بات مجبرا على مواجهة (والأهم من ذلك كله لاحقا ضرورة معالجة) هذه الظاهرة الخطيرة في ضوء المعلومات الواردة التي تؤكد ارتفاع نسبة النساء اللاتي استلبن عقليا وفكريا من قبل جماعات وتنظيمات التطرف والإرهاب وهن على أهبة الاستعداد التام للتضحية بالنفس من أجل الفتك بأرواح الآخرين أيا كانت خلفياتهم الدينية أو المذهبية أو الطائفية بل وحتى العرقية.

هذه العملية الانتحارية لن تكون الخلاصة ولا الأخيرة، بل إنها البداية للمزيد من العمليات الانتحارية الإرهابية النسائية التي وإن كانت ظاهرة خطرة ما بين عامي 2007م و 2008م، وخفت حدتها في العام المنصرم، إلا أن الحدث الإرهابي ذاك لمؤشر واضح على عودتها إلى الساحة مرة أخرى بقوة لم يسبق لها مثيل من قبل.

نعم لقد بات الإرهاب بأي وسيلة كانت غاية ممكنة للعمل السياسي الإرهابي في ظل وجود ظروف محلية بيئية وعقدية ومذهبية وطائفية تحتضنه وترعاه وتغذيه وتحركه، وفي ظل وجود دول إقليمية ولربما دولية داعمة ومؤيدة له توجهه لا تسمح بنكوصه أو تراجعه، وهي في أغلب الظن تستفيد منه ومن وجوده طالما يحقق لها مآربها وأهدافها وغاياتها المشبوهة خصوصا غاية الاصطياد في الماء العكر.

www.almantiq.org



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد