عرض - محمد المنيف
تحظى الفنون التشكيلية على مستوى العالم باهتمام كبير ابتداء من المتاحف مروراً برعاية الفنانين والأخذ بهم وصولاً إلى تأسيس نقابات وجمعيات واتحادات تلم شملهم وتدافع عن حقوقهم وتمنحهم الفرص، وقد تحقق للفن التشكيلي السعودي مثل هذا الاهتمام منذ أن أخذت الرئاسة العامة لرعاية الشباب على عاتقها دعمه ومتابعته كبيرة من المغفور له بإذن الله صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد وتوجيهه بإنشاء قسم للفنون التشكيلية بالشئون الثقافية بالرئاسة برزت من خلاله الفنون التشكيلية محلياً وعربياً ودولياً على مدى ما يزيد عن الثلاثين عاماً إلى أن تولت وزارة الثقافة والإعلام حالياً مهام رعاية ودعم الثقافة بكل روافدها ومنها الفنون التشكيلية فتحقق للفن التشكيلي حلمٌ انتظروه سنوات طويلة تمثل في إنشاء وإقرار الجمعية السعودية للفنون التشكيلية التي غرس شجرتها الدكتور عبدالعزيز السبيل وسقاها معالي الأستاذ إياد مدني وأشهرت يوم الأحد 29-5-1427 هـ الموافق 25-6-2006م.
وعلى الرغم من تأسيس الجمعية جاءت متأخراً نوعاً ما، إلا أنه يجيب النظر إليها بعين الاعتبار والدفع بها بشكل يتوازى مع متطلبات الواقع الحالي الذي ازدهرت فيه هذه الفنون محلياً وما سيتبعه من كثافة في أعداد التشكيليين والتشكيليات.
هذه الجمعية وما تبعها من جمعيات أخرى، الخط العربي، المسرحية، والفوتوغرافية، والكاريكاتير، التي ستشمل الوطن بأكمله تمثل الفنون المختلفة وتشكل جزءاً من مؤسسات المجتمع المدني تؤكد بها وزارة الثقافة والإعلام جدية التوجه في دعم الفنون والأخذ بها ووضعها على مسارها الصحيح، وقد حظي الفن التشكيلي بأولوية التأسيس وخوض تجربة الانتخابات التي شملت بقية الجمعيات وأكدت تفهم كل منتسب لأي من تلك الجمعيات لأهمية الديموقراطية في تأسيس جمعيتهم.
خطوات صعبة ومستقبل يحمل الأمل
لاشك أن تأسيس أي مشروع يحتاج إلى صبر وتلمس لسبل النجاح خصوصاً المشاريع أو المؤسسات التي تتحمل مسؤولية دعم وتطوير فن من الفنون ذات الشهرة العالمية ومنها الجمعية السعودية للفنون التشكيلية التي تتحمل مسؤولية المنتمين لها الذين يشكلون أعداد كبيرة في هذا الوطن المعطاء، ولهذا وبعد أن تلقى التشكيليين التوجيه لأعداد جمعيتهم من قبل وكالة الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام، تم الإعلان عنها عبر الصحف والاتصالات والرسائل عبر الإنترنت والمواقع التشكيلية وبمختلف السبل، تحقق بهذه الدعوة التحاق ما يقارب الثلاثمائة عضو من الفنانين والفنانات من مختلف مناطق المملكة أصبحوا بعد تسجيل أسمائهم أعضاءً مؤسسين، تقدم منهم ثلاثة وأربعين مرشحاً لعضوية مجلس الإدارة من بينهم ثماني فنانات وتم التصويت من البقية على عشرة أسماء طبقاً لنظام اختيار المجالس، تشكل منهم مجلس الإدارة أضيف لهم لاحقاً ثلاثة باختيار أعضاء المجلس حسب النظام الأساسي للجمعية، وبدأت عجلة عربة الجمعية في التحرك بعد إقرار نظامها من قبل الجمعية العمومية والتصويت على المرشحين ابتداء من تأمين المقر بمباركة ودعم من صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز نائب وزير الداخلية رئيس مجلس إدارة جمعية الخريجين بمعهد العاصمة النموذجي الذي وافق على الطلب الموجه من سعادة الدكتور عبدالعزيز السبيل وكيل الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام سابقا لمدير عام المعهد الدكتور إبراهيم القريشي بأن تتخذ الجمعية مقراً لها بالدور الأول من مركز الأمير فيصل بن فهد للفنون التابع للمعهد وبإيجار رمزي والذي يقع على أحد الشوارع المهمة والبارزة في الرياض، لتتواصل الخطوات على الرغم من بطئها وصعوبة تحركها لظروف كثيرة في مقدمتها الدعم المادي. وعلى الرغم من ذلك تمت إقامة عدد من المناشط بحجم الدعم الذي منح لها خلال العامين المنصرمين مع ما أنشئ من مكاتب إدارية في المقر وتأثيثها و تعيين موظفين لاستقبال الفنانين ونفذت بعض الأمسيات والندوات وفتحت جسور التعاون بين الجمعية وبعض القطاعات لتأمين لوحات واقتنائها منها وزارة التعليم العالي مع ما يتم التواصل معه في قادم الأيام.
تفاعل انتهى بنهاية التصويت
وإذا كنا قد شهدنا بداية نشطة وتفاعل كبير من التشكيليين وقت التأسيس والترشيح والتصويت لاختيار مجلس الإدارة في يوم عيدهم ويوم مولد جمعيتهم التي انتظروها سنوات طويلة، بودلت في تلك الأمسية العطرة كل الأماني وبورك لمن صوت لهم وشد على أيديهم من قبل زملائهم الذين يلتقون لأول مرة في تاريخ مسيرة الفن التشكيلي في مكان واحد، جمع فيه الرواد بالأجيال اللاحقة اتفقوا أن يقفوا مع جمع يتهم ويدعموها ويأخذوا بها إلى بر الأمان، فالجمعية كما جاء في نظامها الأساسي تعتمد على ما يعود إليها من رسوم الاشتراك وما تقتطعه من ريع المعارض التي تقيمها ومن بيع إصداراتها إضافة إلى دعم القطاع الخاص مع ما يفترض أن تقدمه وزارة الثقافة والإعلام من دعم يختص بالموظفين والإيجار وخلافه.
تلك التوقعات التي كانت محل قناعة تامة من قبل مجلس إدارة الجمعية يوم ترشيحهم والتصويت لهم وشحذ هممهم لم يعد له أثر بعد أن تفرق الشمل وعاد كل فنان إلى مرسمه ولم يتلقَّ صندوق الجمعية أي من الرسوم الواجب دفعها من قبل الفنانين المؤسسين إلا القلة منهم إذا قارنا عدد المنتمين الآن للجمعية ممن تسلموا بطاقات العضوية البالغ عددهم إلى يوم إعداد هذا التقرير ما يقارب السبعين عضواً مقابل ثلاثمائة مؤسس أو ما كان منتظر من مئات التشكيليين خريجي الجامعات أو ممن يمارسون هذا الفن سنوات طويلة، هذا الابتعاد أو غض الطرف يبعث التساؤل ويحمل التشكيليين العتب خصوصاً المؤسسين، إذ ليس هناك أسباب تمنع المشاركة ودعم الجمعية التي أسست لهم كما أن ما يجعله البعض عذراً أو سبباً لا يمكن قبوله كما تردد في بعض اللقاءات أو ما يتناقله البعض من عدم الرضا على مجلس الإدارة فهناك الكثير من السبل لتصحيح المسار وقد كفل النظام الأساسي للمؤسسين أن يقيلوا المجلس إذا لم يقم بدوره المنوط به ويعيدوا التصويت فأين هم من هذا الحق إذا كان هناك ما يبرره.
بطاقة العضوية.. الحكم
قد يجهل البعض من المؤسسين الذين لم يبادروا بدفع الرسوم واستلام بطاقة العضوية أن في عدم استكمالهم هذا الإجراء سيمنعهم من التصويت والترشيح وحتى حضور الجمعية العمومية وقد سعت الجمعية بالاتصالات ونشر المطالبة بهذا الأمر ولا زالت تكرر الدعوة المتمثلة في تسديد الرسوم وتسلم البطاقة استعداداً لعقد الجمعية للتحاور وطرح الآراء ومعرفة ماذا يدور في الجمعية ومجلس إدارتها وهو حق لا يختلف عليه عاقل، فبطاقة العضوية تلزم المجلس بالاستماع لحاملها كما يحق له الاعتراض وأن يرشح من يراه مناسباً أو بديلاً فبدون البطاقة لا يحق لأي فنان مؤسساً كان أو خارج التأسيس أن يطرح رأياً أو يتقدم بمقترح.
وزارة الثقافة والإعلام.. مظلة الجمعية
لا شك أن على جمعية التشكيليين أن تتحرك ذاتياً كما جاء في شرط تأسيسها باعتبارها جمعية نفع عام، لكن مثل هذا الأمر لا يمكن تحقيقه في بدايته لأسباب عدة من أبرزها أن أي جهة ستتقدم لها الجمعية لطلب الرعاية تحتاج إلى تعريف بالجمعية وبأنشطتها وبدورها في تحريك الساحة ودعم الفنانين على مختلف فئاتهم ما يتطلب تقديم شواهد وبرامج سابقة التنفيذ والتي لن تتم في مرحلة التأسيس في ظل تراجع التشكيليين التي تضم بياناتها أسماء فقط وإعراضاً عن تسديد الرسوم إلا بدعم من وزارة الثقافة والإعلام المظلة الأم للجمعية لتقف الجمعية على أقدامها وتبني قاعدتها التي تقف عليه نحو الانطلاق للآخرين.
انتقادات لا تجرؤ على الطرح العلني
ومن المؤسف أن تظهر الجمعية والتشكيليين بهذا الموقف المخجل أمام وزارة سعت وحققت لهم الحلم مع ثقتها أن التشكيليين سيحملون جمعيتهم على أكتافهم ويتحملون إنجاحها بجدارة، وليثبتوا أنهم كانوا على حق بالمطالبة بتأسيسها، ومن المؤسف أن يضع بعض التشكيليين ستاراً لحجب وجهات نظرهم إلى زملائهم في مجلس الإدارة ويتعاملون بأسلوب التعتيم، مع أن الأولى حضورهم واتصالهم بأعضاء المجلس وطرح آرائهم والمطالبة برغباتهم وسماع الرأي الآخر، فالجمعية ليست ملكاً لمجلس إدارتها ولا للوزارة بل للتشكيليين عامة أعطي لهم حق التصويت واختيار من يمثلهم ومن ثم أعطوا الحق في الانتقاد والتصحيح والتقويم وقبل هذا وذاك الدعم الذي يجعلهم في موقف المطالب والمحقق والحكم.
تلك الانتقادات لا تظهر إلى العلن أو تقدم مباشرة بأي وسيلة ومنها النشر في وسائل الإعلام التي يفتح فيها المجال للحوار مكاشفة أمام الرأي العام التشكيلي، بل تبقى حبيسة المجالس واللقاءات الصغيرة التي تثار فيها الزوابع وتخلق الضبابية بين الجمعية وأعضائها ممن يسمعون من خارج الجمعية دون التحقق من مصداقية ما يقال من قبل المعنيين بداخلها.
مرحلة الترقب والأمل
أخيراً يكمن أن نستشف الواقع الحالي للجمعية من أعضاء يحملون بطاقة العضوية أو من مجلس الإدارة بما يحمله المستقبل لهم من آمال وحلول ودعم وضعوه بين يدي معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة بما وعد التشكيليين به في كل محفل تشكيلي، بأن المستقبل سيكون مشرقاً وأن الوزارة تسعى لتحقيق كل الرغبات لكل المبدعين في هذا الوطن.
إن ما تحقق للتشكيليين على مستوى العلم العربي أو ما هو أقرب لدى أشقائنا في دول الخليج من دعم لجمعياتهم التشكيلية جعلتهم أكثر ثقة وإقداما على تطوير مسيرتهم والمنافسة بإبداعات فنانيهم على المستوى العالمي حضوراً وكسباً للجوائز، إضافة إلى الأهم وهو أن الفن التشكيلي رمز ثقافي يسير بخط موازٍ لكل المناشط الأخرى التي تشكل في مجملها ثقافة وطنا يعيش أعلى درجات النهضة وبناء الحضارة المعاصرة في مختلف العلوم ليأتي دور الثقافة التي تمثل المرآة العاكسة لهذا الواقع بكل سبل التعبير فيها.