من السهل أن تصوغك الحياة كما تشاء هي لكن ليس من السهل أبداً أن تعيد صياغتها على ورق قد يحترق بما تحمله من وزر ذاكرتك وعناء يومك.
إنه لأمر شاق أن تقف أمام ورق أبيض لتعيد صياغة السطور الفارغة ببوحك، وتعود بذاكرتك إلى ما آلمك وأدهشك لتفرغه من داخلك إلى الورق.
الكتابة فعل شاق لكن فيها خلاص مما قد يمور داخلك وقد تفيض به، فعندما أفكر بمواسم الهجرة إلى دوحة الحرف فإنني أفكر كثيراً قبل خوض هذا الإبحار، فالاتكاء على الجرح نزيف.. والحديث عن القلب ليس كالحديث عن شيء آخر.
أحاول أكمد بعض ألمي بقراءة جنون أحلام مستغانمي، لم أجرؤ على سؤالها يوماً عن طقوسها في الكتابة، لكنني ومن خلال خطابها ومحيطها العائلي حاولت اقتناص لحظات الكتابة التي تمر بها، ودون جدوى فعدت إلى رواياتها علي أتلمس منها بعض التسلية وبعض النسيان.
«نشتهي دوماً الأمور الأخرى، اليوم المقبل، الفصل الجديد، وما هذه إلا شهوة الموت»... سيلفيا بلاث..
في رواياتها تبدأ بك أحلام رحلة الجنون بخفة فراشة ترنو بك للنور لا لتستمتع بوهجه، بل لتحترق به، ثم عندما تعود من مواسم الكلمات تعود كما يعود العطشان من البحر، وتعود لتقتفي كلماتها من جديد.. وتؤثث قلبك بالصبر وبعض النسيان الذي تمنحه لك مع بعض هذيانها لحظة الحقيقة.
«لا يجب دائماً قلب الصفحة، أحياناً ينبغي تمزيقها».. مالك حداد.
بل يلزم حرق بعض هذه الصفحات ونثر رمادها كما الموتى كي لا تكون لها جثة نعود لنزورها أو تذكرنا بالماضي، أو نعود لنحمل إكليل ورد لنضعه على مثواها الأخير.
ما يؤرّقنا أكثر من الماضي هو ذكراه.. وما يتعبنا أكثر من الحاضر هو أن يكون صورة طبق الأصل من ماضٍ متجدد.
«ليست المسألة هي كم تحب الشخص حين تحبه.. وإنما كم تحبه حين تكرهه» آستون كوتشر.
ذات رواية قيدتني هذه المرأة بجنونها وعلقتني على أحد جسور قسنطينة ثم تركتني أعشق تلك المدينة وأتهجاها قبل أن تطأها قدمي.
اليوم بي شوق لأكون على مقربة من عالمها.. أمتطي موجة النسيان.. وأتهجى حروفها.. ثم أرسم ملامح أخرى للكون الذي أتمنى أن أنتمي لعالمه. لذا.. كان الخيار أن أبدأ الهجرة إلى مواسمها، فتبدأ بي رحلة الدهشة.. الحزن والبهجة والفرح ولا ضير من القليل من أحلام وجنونها.
من آخر البحر
لسعدية مفرح
لِيَقيني بِخسارَتِكِ أَخيراً
أُصَلِّي كَي تَتَأَخَّرَ النهايةُ
حَتَّى لا يَكونُ لانْتِصاري
طَعْمُ الدَّواءِ!
maysoonabubaker@yahoo.com