تعامل الكاتب مأمون أفندي مع واقع الإعلام العربي في محاضرة ألقاها ضمن برنامج حلقات التطوير الإعلام بمعهد الأمير أحمد بن سلمان للإعلام التطبيقي بمصداقية وشفافية تنم عن درجة عالية من الوعي بالمنتج الإعلامي الذي يقدم محتوى يفتقد إلى الإسناد، ويفتقد إلى إعطاء الرأي الآخرحقه من الإدلاء بما لديه،
والأفندي عندما تعامل مع الإعلام العربي بكل هذا الوضوح جاء عبر تجربة كبيرة في هذا الميدان، ودراسات وأبحاث قدمها ككاتب عالمي له مكانته المرموقة في الأوساط الإعلامية العربية والأجنبية، هو أراد أن يقول أن التعامل مع المادة الإعلامية عربياً لا يمكن أن يرتقي إلى مستوى التعامل مع المادة الإعلامية في الغرب التي تعتبر أن الصحافة والرأي سلطة حقيقية، وليست سلطة صورية تقف في مهب الريح لتذروها الرياح أينما شاءت، فالإعلام العربي يتجمل كثيراً، يتجمل عندما يعمل على كشف الحقائق، ويتجمل عندما يقوم بالتغطية للأحداث المحلية أو العربية أوحتى العالمية، فلماذا مثلاً يحدث خلط للحقائق عند قيام قناة عربية بتغطية فعالية عن واحدة من القضايا العربية الأكثر جدلاً كقضية فلسطين، نظمتها هيئة أو منظمة أمريكية وأقامتها داخل مبنى الكونغرس الأمريكي، حيث تفاجئنا القناة بإبراز عناوين صحفية صارخة عن الواقع العربي تنسب فيه تلك العناوين للكونغرس الأمريكي الذي ليس له أي علاقة بذلك اللقاء سوى كونه مكانا لإقامته، هذا مثال بسيط للتسرع أو عدم الدقة في نقل الرسالة الإعلامية.
هل هذا يعني أن العرب غير قادرين على التعامل مع الإعلام كرسالة قادرة على التعبير عن نبض الشارع العربي ؟
هو سؤال كبير، أكبر ما يدل عليه الشواهد التي ترد يوماً بعد يوم من إعلام لم يتمكن من نقل الحقائق بكل مصداقية وشفافية، وتقديم محتوى قادر على خدمة القضايا العربية بشكل صحيح، وقادر على نقل الصورة المعبرة عن أبناء هذه الأمة.
ومأمون أفندي الذي هو في الأصل من صعيد مصر، يعيش الآن في الولايات المتحدة الأمريكية، ويساهم بإسهامات كبيرة في الإعلام الغربي يؤكد أننا بحاجة إلى زمن طويل حتى نتمكن من الوصول بإعلامنا إلى المستوى الذي يجعلنا نحترم القارئ، ونحترم أنفسنا ورسالتنا، ونستطيع أن نترجم واقعنا بالشكل الذي يخدم قضايانا بكل موضوعية، وحيادية، ولكن الخوف الذي يسكن الإعلام العربي مثل كثير من الوزارات الرسمية الأخرى يجعل منه متشبثاً بالحائط يمشي إلى جواره، هل هذا يعود أيضاً إلى العقلية العربية وطريقة تفكيرها، التي تختلف عن العقلية الغربية كلياً، أم أن الأمر يعود إلى نشأة الصحافة الغربية التي ظهرت مع النهضة الاجتماعية في أوروبا ومع ظهور الطبقة البرجوازية، ومع التحولات والحراك التنويري الذي حدث في القرن الخامس عشر وما بعده، الذي أدى إلى حاجة الشعوب في ذلك الوقت إلى وجود وسيلة تعبر عنهم، لأن حرية الرأي كانت أهم التحولات التي عاشتها شعوب ذلك الوقت وظلت تعيشها إلى يومنا هذا، ومع ذلك فإنني أؤمن تماماً بعدم وجود الحيادية الكاملة حتى في الصحافة والرأي لدى الغرب، ولكن يظل هناك بون شاسع في حجم حرية الرأي لا يمكن أن يقاس بما يعيشه الإعلام العربي، والظروف التي ظهرت فيها الصحافة العربية في القرن التاسع عشر عندما ظهرت في الشام ومصر في ظل الحكومات العربية.
وليعذرنا القارئ الكريم عندما نتحدث عن الصحافة في السياقات السابقة بحكم أنها تمثل الوسيلة الإعلامية الأولى التي عرفت في القرون الحديثة قبل ظهور الإذاعة والتلفزة التي عرفت حديثاً في الخمسينيات من القرن العشرين الماضي.
Kald_2345@hotmail.com