Al Jazirah NewsPaper Friday  05/02/2010 G Issue 13644
الجمعة 21 صفر 1431   العدد  13644
 
الكيد الصهيوني والانبعاث العالمي (1-6)
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري

 

قال أبو عبدالرحمن: لحكمة من الله، وابتلاء للمؤمنين، وإلى أجل محدود: نجح المفسدون في الأرض في إنجاز مكائدهم الصارخة ضدَّ البشرية، ومن المؤسف أن يوجد من أبناء جلدتنا من يعتقد أننا أعطينا الصهيونية أكبر من حجمها وهم يقرأون نظرياً أحرفاً مظلمة في غاية التوثيق، ويعيشون واقعاً عملياً هو الصورة المطابقة لتلك المكايد النظرية الموثَّقة، ويرون قبضة الصهيونية على العالم اقتصاداً وإعلاماً ونفوذاً وجيوشاً تعمل في الظلام كالموساد، ويشهدون موت الضمير العالمي في حماية المستضعفين في الأرض.. وكل ناعق إعلامي عن الإرهاب لا يشير بكلمة واحدة عن الإرهاب الصهيوني لا في التعامل مع الفلسطينيين، بل في الاعتداء على البشرية جمعاء.. وبعد أحداث سبتمبر التي نفذتها الصهيونية أصبح المسلمون والعرب المستضعفون مشجباً تُعلَّق عليه كل تهم الإرهاب إعلاماً وتحريضاً، وساحة للحروب العدوانية.. والمستفيد الصهيونية وحدها في التفنُّن العدواني على الفلسطينيين، وفي ملك كل المرافق الحيوية كما حصل بعد تفكك روسيا، وكما نشهده الآن في العراق، وهذا ما سيحصل لأي أمة ضعيفة تغزوها أكبر دولة في العالم.. وصُنَّاع القرار في الولايات المتحدة لا يجهلون أن أحداث سبتمبر عمل صهيوني.. إلا أنهم جزء من صانعي الحدث، وهل يجهل أحد أن أحداث سبتمبر وقعت في اللحظات التي ينهي فيها صُنَّاع القرار الموافقة على استراتيجية (القرن الحادي والعشرين)؟!.. ثم أين ذاكرة العربي عن كتاب الزعيم الأمريكي المطبوع بلغته العربية منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً عن إنباء لا نبوءات عشناها الآن واقعاً في استهداف العرب والمسلمين؟

*؛ لأن الكيد الصهيوني مدرِك أن ثقل الأمة وبقاءها كائن في سلفيَّتها ومركزها من سرة الأرض؛ ولهذا لا يعبأ الكيد الصهيوني بالمذاهب المنحرفة من مذاهب المنتسبين لأهل القبلة، بل يرى في إحيائها شفاءً لنفوسهم وصدورهم المتخمة بالعداوة والبغضاء.. وكيد الصهيونية عام للبشرية، خاص لأهل الكتاب من المسلمين والنصارى، وقد بلغ أمنيته من أهل الكتاب المنتسبين إلى عيسى بن مريم عليه السلام منذ قرنين بوجوه كثيرة من الحيل أعظمها سيادة القانون الوضعي، وأنكاها انشقاق مذاهب النصرانية من الديانة اليهودية المحرفة، ثم تحول جزء كبير منهم إلى نصارى سبتيِّين.. أي بالمعنى الأصح تحوَّلوا إلى صهاينة يحملون همَّ الكيد الصهيوني.. وما لا أحيط به الآن كله لا أتركه كله، ولكن من واجب المحمومين بهموم أمتهم تأصيل السلفية في وجدانهم ؛لأنها مفهوم شرعي بحت وليست وضعاً بشرياً مع إزالة ما أثير حولها من تضليل وشكوك.. والوعي بقيمة السلفية يعني الوعي بمخاطر الوثنيين والبدعيين؛ لأن الصهيونية المتفوقة بالأسباب القدرية (حبل من الله، وحبل من الناس) لا تعبأ ولن تعبأ بهم تصوراً وسلوكاً؛ لأنهم على باطل محض، وقد يكرهون حركات التبشير في تنصيرهم، ولكن ذلك أحلى الأمرَّين ما دام تنصُّرهم على القناعات الحالية بالطروحات اليهودية التي جعلت اليهود بريئين من قتل عيسى عليه السلام الذي رفعه الله إليه (وعلى العقيدة الصحيحة هم غير بريئين من تدبير قتله)، وما دام عيسى جاء بعد موسى عليهما السلام لإكمال الناموس، وما دام ذلك التاريخ الإسلامي ثقيلاً عليهم ويخشون تجدُّده: فإنهم يقفون لدعوة الإسلام بالرصد متوارين خلف غيرهم.. وأهل الكتاب في العالم المتقدم مشاركون لليهود، متفوقون عليهم من أجل الكثرة في العدد، وكثرة الاكتشاف العلمي، وكثرة الصُّنع لِما يُحقِّق القوة والمتعة؛ فكانوا لا يكيدون لهم إلا بالحيلة بمثل السعي الحثيث إلى التحالف ضد المسلمين، والطمع في مواردهم وبلدانهم، وتشويه أحكام الإسلام ووصمه بالهمجية والدموية والتحذير من قيام دولته.. وثمة حلية ثانية وهي سرقة دينهم منهم وإبقائهم على مجرد التسمي به، أو ممارسته على تصورات ترفع حاجز العداء بين الطرفين، وكان سبيل ذلك تحلية الإلحاد في التصور، والدفع إلى الإباحية في السلوك؛ ولهذا كانت الفلسفات التي تبنتها الصهيونية في العالم أو أفرزتها مسبقاً فلسفات إلحادية تتجدد في كل حقبة بمذهب آخر يتفق في الهدف، ويختلف بالعنوان والمصطلح، وتغليب جانب إلحادي على آخر.. كما كانت فلسفات إباحية باسم الحرية والديمقراطية والوجودية التي أنتجت أن الكون والحياة عبث؛ فسهل على الفرد أن يفعل ما يشاء.. ومن السُّبل أيضاً الإمعان في تسهيل وإحضار كل المتع المحرمة، واستغراق حيوات الناس بالترفيه اللاهي والمحرم بحيث لا يبقى للفرد من العزائم إلا التخصص الأصم، والانهماك في مجال الحرفة. ومن أقدار الصهيونية الكونية السعي الحثيث لامتلاك المقومات التي تحكم الأفراد والمجتمعات بالترغيب والترهيب، وتنتج ضغوطاً كونية خفية المصدر تتحكَّم في العالم كالمال وصنع القرار والتخصص في القانون والإعلام بما فيه البث الإباحي والقدرة على توفيره والإغراء به تطبيقاً؛ فكانوا أهل المال والمراباة، والقابعين وراء الأزمات الاقتصادية، وأهل المحاماة، ومسوقي وسائل الفحش، والمنتجين أو المتبنين للعقاقير المدمرة باسم الطب، وكانوا المسوِّقين للدمار من صنوف المخدرات، وهم منفذو أو وراء تنفيذ كلِّ كيد لإفساد البيئة، وكانوا يشترون الأصوات في انتخابات الحكم بالأموال، ويشترون ضمير المنتخب، ويتألَّقون في فنون المحاماة وسنِّ الأنظمة والقوانين، واتخاذ طرق الإرهاب والتخويف بإسقاط ناس بالتشهير واختلاق الفضائح وتكبيرها، والتصفية الجسدية عن طريق منظمات إرهابية تتجدد أسماؤها.. وكل تجمع سِرِّي أو شبه علني لا يظهر فيه الصهيوني متديناً، بل يتحلَّى بأي دين، أو يبدو ملحداً إباحياً حسب مقتضى الحال.. وسترى الفرد في العالم الأقوى عبدالقروض الربوية منذ نشأته؛ فلا يُوفِّر سكناً ولا أداة ولا متعة إلا بقروض متوالية متضاعفة يظل عبداً لها مدى عمره، وما فضل تسرقه شركات التأمين باختلاف وجوه التأمين. قال أبو عبدالرحمن: المكتبة الأمريكية الهائلة اليوم التي تحوَّلت إلى لغتنا العربية تتحدث بمرارة عن تزوير الانتخابات، وأضرب المثال بالعلامة (إيمانويل تود)؛ فقد تكلم عن تزوير انتخاب بوش الابن، وأحال ذلك إلى سيطرة الأقلية المتنفِّذة، ثم أحال إلى موضوع آخر مختلف، وهو تحليل (ميشال يونغ) في كتابه (نهوض طبقة الأكفاء)؛ مما يعني سيطرة الأكفاء الأقلية على الانتخابات ليس في الولايات المتحدة فقط، بل في دول أوربا مثل فرنسا وبريطانيا(1).

قال أبو عبدالرحمن: الفكر، والتجربة العملية، وديننا دين الحق والنور لا يجعل للمتنفِّذين حقاً شرعيَّاً في البيعة، وأما الغلبة فشيء آخر.. ولا يجعل أيضاً هذا الحق لأهل الزخم الثقافي، وإنما الحق لأهل الأهلية وإن قلوا، وهم أهل المعرفة المتعلِّقة بالحكم، وأهل العدالة والنزاهة، وأهل التنفُّذ على سبيل المعادلة بين ما يجب أن يكون وما هو كائن.

ومن حيلهم التحالف مع أهل الكتاب فكرياً وسياسياً على المسلمين بصدهم عن دينهم بمختلف حيل التضليل والتسويل، وزرع العملاء بينهم، وإعداد قيادات تحكمهم باسم شعارات تبنتها الغوغائية، ثم العمل بأَخرة على محاصرتهم دينياً بافتعال الأزمات الحربية، وتحقيق الأزمات الاقتصادية، والتهديدات العسكرية باسم رعاية الديموقراطية وحقوق الإنسان والحيوان.. ويختلف تعاملهم معنا ومع العالم الأقوى من أهل الكتاب؛ فهم مع العالم الأقوى حذرون جداً يتعاملون مع أهل علم دنيوي وقوة؛ ولهذا يحرصون على جانبين:

أولهما: أن يكونوا تحت حمايتهم ودعمهم بكل المسوغات التي سيفلحون في إقناع العالم الأقوى بها من تجمع أهل ديانة سماوية في دولة واحدة بعد الغوتو والتشريد، والقيام بدور البوليس، ومحاصرة التجمع العربي ذي الدين المخوف منه، والعمل على قيام دولة العالم الواحدة التي يشترك فيها أهل الكتاب؛ ولهذا كان الإسلام هو همَّ دول الوفاق بعد سقوط الشيوعية التي أدت للصهيونية خدمةً مؤقتة، ثم كانت العدو الألد لمثل خرافات هرمجدون. وثانيهما: أن يظل لهم في العالم الأقوى النفوذ الأكمل في صنع القرار، وأن يظل الحليف على عبادة المادة والإيمان بالديموقراطية والعلمانية اللتين تلغيان عزائم الدين وتفصلان الدين عن الدولة والحياة.. أما العالم العربي والإسلامي فلا يعبأون به لانقسامه، وزرع القيادات فيه، وتخلُّفه علماً دنيوياً وعسكرياً، وإحاطة طموحه برقابة الحلفاء؛ ولهذا فهم يواجهونه بالعداء الإعلامي والعسكري تارة، وبشراء العملاء بالتضليل والترغيب والترهيب تارة، وبالتواري خلف الحليف تارة، وبالتسلُّط بشعارات المبادئ التي كانت واجبة أو مستحسنة لدى العالم مما فيه سرقة الأديان والأخلاق.. وتبنت الصهيونية السياسية التجمع القومي المفرِّق لوحدة الأديان، وتبنوا دعاية الإخاء الإنساني بشعار الحرية، وهم أنجزوا أخطر مهمة.. ألا وهي إسقاط الإمبراطوريات التاريخية التي لا يكون للكيد الصهيوني معها مجال، وضلَّلوا الشعوب فدمَّروا بأيديهم قياداتهم التاريخية التي فيها عصبية الأمة قومياً ودينياً، والتي تحول دون قيادة العميل المأجور أو المضلل.. وحذو القذة بالقذة ستظل القومية ستاراً للطوائف والعرقيات والملل.. ولو كانت القومية تعصباً لجنس العرب مع بقاء الكيان الديني والتاريخي للأمة لقيل: هذه معصية ولا أخوة إلا بالإسلام.. ولكنها ستكون قناعاً لكل فوادح التاريخ القومي، وكان شعارها علمانياً: (الدين لله، والوطن للجميع)؛ وإذا كان جمهور الجميع مسلمين فأحكام الشريعة عليهم معطاة باسم الحرية الفردية.. وستصبح القومية ذاتها عقيدة تُفْرِغ فيها العروبةَ من مدلولها التاريخي سوى أخلاق الجاهلية الأولى، وسيجعلون الدين الإسلامي فعلَ عقلٍ عربيٍّ؛ ولهذا فالإسلام مرحلة تاريخية، وللعقل العربي أن يبدع ديناً جديداً، أو يستبدل ديناً بدين، أو لا يجعل الدين قضية.. وكل ذلك حسب مقتضيات العصر، والصهيونية السياسية صاحبة فلسفة القوميات تأبى اتحاد العرب على القومية؛ وإنما تتغاضى عن التشرذم القومي في عدد من البلدان؛ ليكون حلماً وحسب؛ ولهذا تُحْكم قبضتها على القيادات اختياراً واستمراراً أو استبدالاً؛ ولهذا أيضاً فكل حكم قومي يجعل العروبة ثانياً والوطنية أولاً.

إن المشروع القومي لن يَخْبُو في قلوب الذين يشعرون بالهزيمة، وليس عندهم التزام إسلامي إلا مجرد الانتماء والتعاطف.. ويُخشى أن تكون القومية خطة للحلفاء في مصالحة بين التيار الإسلامي، والغبن القومي، وجبروت العالم المستكبر.

قال أبو عبدالرحمن: وهذه المرة سأستعمل أسلوب الجدِّ في الطرح بعيداً عن أسلوب الدُّعابة الذي اعتدته؛ لخطورة الموقف، ولأهمية هذا الموضوع.

*: (لا تسرق فإن السرقة غير جائزة من الإنسان) أي من اليهود، وأما من الخارجين عن دين اليهود فسرقتهم جائزة.. وهذا التفسير مطابق لما قيل من أن الدنيا هي ملك اليهود (2)، ولهم عليها حق التسلط؛ فالسرقة من الأجانب ليست سرقة عندهم، بل هي استرداد لأموالهم!!.. فإذا قال الحاخام: (لا تسرق) فإن معنى ذلك عدم سرقة اليهودي، أما الأجنبي فسرقته جائزة؛ لأنهم يعتقدون أن أمواله مباحة، ولليهودي الحق في الاستيلاء عليها.. وجاء في كتاب الروسيا اليهودية بصفحة111: (إن الحكام اليهود يبيحون للأفراد الحق في سلب أموال أشخاص معينين من المسيحيين، وبعد إتمام إجراءات البيع يكون المشتري دون غيره من اليهود له الحق في اتخاذ الطرق اللازمة لوضع يده على أموال ذلك المسيحي ؛ فأموال المسيحي التي كانت مباحة تصبح ملكاً لذلك المشتري منذ عقد البيع، ويجوز أن يدخل يهودي آخر مع الأول شريكاً يتفق مع الأول على ما ينبغي إجراؤه لاسترداد ذلك المال؛ لأن أموال الأميين مباحة، ولكل يهودي الحق في وضع يده عليها، وعلى اليهوديين المذكورين أن يقتسما ما يحصلان عليه من الأموال؛ لأنه إذا اشترك اثنان من اليهود في سرقة أو غش أو نهب أحد الأجانب فالقسمة بينهما واجبة.. وقال «ففنكرن»: (أموال المسيحيين مباحة لليهود كالأموال المتروكة أو كرمال البحر؛ فأول من يضع يده عليها يمتلكها)، وجاء في التلمود أن مثل بني إسرائيل كمثل سيدة في منزلها يستحضر لها زوجها النقود فتأخذها بدون أن تشترك معه في الشغل والتعب !!»(3).. وقالا: «ولكن الحاخام (شار) يقول: (إن الكاهن يمكنه أن يبارك الشعب بتلك اليد إذا كان المقتول غير يهودي حتى لو حصل القتل بقصد وسبق إصرار، وينتج من ذلك أن قتل غير اليهودي لا يعد جريمة، بل فعلاً يرضي الله)، وجاء في كتاب (بوليميك): (إن لحم الأميين لحم حمير، ونطفتهم نطفة حيوانات غير ناطقة، أما اليهود فقد تطهروا على طور سيناء، والأجانب تلازمهم النجاسة لثالث درجة من نسلهم، ولهذا أُمرنا بإهلاك من كان غير يهودي)، وقال التلمود: (اقتل الصالح من غير الإسرائيليين، ومحرم على اليهودي أن ينجِّي أحداً من باقي الأمم من هلاك أو يخرجه من حفرة يقع فيها ؛ لأنه بذلك يكون حفظ حياة أحد الوثنيين )، وجاء في صحيفة أخرى: (إذا وقع أحد الوثنيين في حفرة يلزمك أن تسدها بحجر!) وزاد الحاخام (رشى): (إنه يلزم عمل الطرق اللازمة لعدم خلاص الوثني المذكور منها!!)، وقال «ميمانود»: (الشفقة ممنوعة بالنسبة للوثني، فإذا رأيته واقعاً في نهر أو مهدداً بخطر فيحرم عليك أن تنقذه منه؛ لأن السبعة شعوب الذين كانوا في أرض كنعان المراد قتلهم من اليهود لم يقتلوا عن آخرهم، بل هرب بعضهم واختلط بباقي أمم الأرض)؛ ولذلك قال «ميمانود»: إنه يلزم قتل الأجنبي لأنه من المحتمل أن يكون من نسل هؤلاء السبعة شعوب، وعلى اليهودي أن يقتل من تمكن من قتله؛ فإذا لم يفعل ذلك يخالف الشرع !!»(4).

* لا يضرك كثرة من هلك كيف هلك.. وإنني أجد الهزيمة الروحية والاستسلام للمخاوف في سلوكٍ دوَّخ أمتنا: إما باحتجاج طفولي كما في أعمال الإرهابيين، وإما بتغريبٍ وتغييب في هشيم الثقافات.. وأسوأُ وجوه التغييب هذه جنوح كثرة كاثرة من المثقفين ومن بعض طلاب العلم الشرعي - في حُمَّى طروحات نهاية التاريخ - إلى فكِّ رموز النبوءات الخيالية والرموز السحرية، ولا يحتاج إلى هذا من كان شعاره ( قل: ((آمنت بالله))، ثم استقم)، وأذكر نموذجاً لذلك من تهالك البدعيين على رموز الساحر (نوستراداموس).. قال على سبيل المثال:

* الأمير العربي، المريخ، الشمس، الزهرة وبرج الأسد.

سيخضع حكم الكنيسة للبحر.

وباتجاه بلاد فارس سوف يقوم قرابة مليون رجل بغزو.

*.

فقال البدعي: (( حصل اقتران المريخ والشمس والزهرة في برج الأسد في 21 أغسطس 1986م، وقد ظهر صدام حسين أميراً عربياً وجيشه مليون غزا الجهة المذكورة ما بين 1986- 1988 م، وبيزنطة تركيا، وتركيا ومصر دعمتا صدام))، وإنك لتعجب أشد العجب من هذا التزوير للتاريخ؛ ليحقق نبوءة ساحر كذاب.. إن النص عن مليون يغزون لا عن عدد الجيش، ولم يغزُ مليون.. وبلاد فارس هي الغازية لا المغزوَّة.. والدولة المغزوة مصر وبيزنطة وليستا هما الغازيتين، ولا ذكر للعراق في النص الكذاب ودعك من صدام، ولا علاقة لتركيا ومصر بحرب الخليج العربي الإسلامي.. ثم إن ساحراً كذاباً سيتحدث عن منطقة عربية ماذا نتوقع أن يذكر غير زعيم عربي؟!!.. ويجد هذا البدعي المهزوم روحياً برد اليقين في هذه الرباعية للساحر المذكور:

* بالنار والسلاح، وليس بعيداً عن البحر الأسود.

سوف يأتي من بلاد فارس لاحتلال تريبيزوند.

وترتعد فاروس وميتيلين.. الشمس مشرقة.

*.

ولعله خجل هذه المرة من تحديد التاريخ، ولكنه جازم بأن المذكورين في الرباعية سيسيطرون على أوربا قريباً.. وليس في النص إلا غزو مدينة ودم عربي، وهل سيلوب ببال الساحر في القرن السادس عشر الميلادي إذْ ذكر بلداناً إسلامية غير العرب الفاتحين، وهل سيَمْثُل أمامه تاريخياً غير دول حضارية بادت؟!.. وهكذا يرى القارئ في المعلِّقين على نبوءات نوستراداموس التي نشرت عام 1422هـ - ونشرت عدداً من المرات عن جهات أخرى - الهزيمةَ الروحية بالجهد الجاهد على إحقاق السحر المكذوب المبهم الدلالة، والارتياح إلى كهانات في الغيب، ومن قام تديُّنه على الخرافة فلا يستبعد تدينه بالسحر.

قال أبو عبدالرحمن: لا أَمَلُّ من تأكيد ما نعانيه من هزيمة أنتجت السلوك المهزوم أيضاً على رقعتنا: من التغييب أو العمل الصبياني الذي أسلفته، أو القلق واللجوء إلى كهانة الأساطير.. بينما بداية العمل الجاد الوعي الصحيح، وليس كل وعي صحيح يحقق ثمرته، بل لا بد من قوة عقيدة في الدين الصحيح والفكر الرياضي الذي لا يعرف المسامحة في الحقائق؛ ولهذا لم ينتفع (ترومان) بوعيه؛ لأن حب الذات غيَّب الفكر الرياضي المخلص للحق مع أنه مع مشاهدته استضاء بالبيان التاريخي العجيب للزعيم الأمريكي (بنيامين فرانكلين) في خطابه بمناسبة كتابة دستور الولايات المتحدة - وأصل الخطاب في معهد فرانكلين بمدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة -، ولكن (هاري ترومان) أول عميل للصهيونية(5) وقع في هذه العمالة بمعادلةٍ فيها حب الذات؛ فعلى الرغم من ظهور حدس فرانكلين بعد قرن ونصف من خطابه نسمع ترومان (المعترف بقوة الأخطبوط اليهودي في الولايات المتحدة الآخذ بخناق مئتين وستين مليوناً من الأمريكيين) يقول مستسلماً متخاذلاً في مذكراته: (أما الصهيونية فلم يقنعوا مني بالتدخل لتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين، ولكنهم أرادوا مني أن أستخدم سلطة الحكومة الأمريكية لدعم مطلبهم في إقامة دولة يهودية في فلسطين.. والحقيقة أن محاولات الضغط التي استخدمها اليهود على وفود الأمم المتحدة لم تتفوق على كل نشاط دبلوماسي آخر عرفته المنظمة الدولية فقط، بل إن البيت الأبيض ذاته كان يتعرض للضغط المستمر من قبلهم.. إنني لا أعتقد أنني تعرضت في حياتي إلى مثل الضغط وقوة الدعاية اللذين تعرضتُ لهما من قِبل الصهيونيين؛ فقد ألحَّ عليَّ قادتهم في أمريكا إلحاحاً لا مثيل له كي أضع القوة السياسية والعسكرية الأمريكية في خدمة أهدافهم في فلسطين).. قال أبو الروس: (ونلاحظ هنا أن ترومان نفسه، الصريع الأمريكي الأول لإغراءات اليهود وأضاليلهم في مركز ثقلهم العالمي لا يفرق بين صهيوني ويهودي وإسرائيلي.. فالكل لديه واحد، ونسبة الأعمال والأوصاف إليهم واحدة)(6)، والله المستعان.

وكتبه لكم:
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
-عفا الله عنه-
(1) انظر ما بعد الإمبراطورية- دراسة في تفكك النظام الأمريكي ص 43، وأما كتاب (رجال بيض أغبياء) تأليف (مايكل مورو) وقد طبع بترجمتين فصُلْب مادته تزوير انتخابات بوش الابن من قِبَلِ الصهيونية الأقلية المتنفذة.

(2) قال أبو عبدالرحمن: عند عوام البادية مثل يقول (عِقْلا البِلّْ لليهود).. أي سيعود ملك الإبل إليهم.

(3) الكنز المرصود ص143-144.

(4) الكنز المرصود ص153-154.

(5) قال أبو عبدالرحمن: للملك عبدالعزيز رحمه الله خطاب تاريخي إلى ترومان يهز الأريحية، ويقطر أسى ومرارة استعلى فيه على ثعلبيَّته حول القضية الفلسطينية، وأحلَّ مسألة استثمار البترول محلها بعيداً عن الضغط السياسي.

(6) اليهودية العالمية وحربها المستمرة على المسيحية لإيليَّا أبو الروس ص 107 - 109.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد