ما قد يندهش منه كثيرون هو أن الأمور الغيبية ليست الوحيدة التي لا نعلمها بل إن الأمر يصل إلى أن الإنسان لا يعلم واقعه أيضا!!
فكل ما نراه ونسمعه من حولنا لا نستطيع إدراكه إلا بعد فترة زمنية قد تطول هذه الفترة الزمنية وقد تقصر.
فمثلا أشعة الشمس التي نستشعرها لحظة وقوفنا تحت الشمس هي في الحقيقة ليست أشعة آنية حيث إن أشعة الشمس التي تنطلق من الشمس تحتاج إلى ثمانية دقائق لتصل إلى الأرض أي أننا نستشعر ضوءا مضى عليه ثماني دقائق!
كذلك الأشياء التي نراها في حياتنا من أشخاص وحيوانات وأجسام فإننا لا نراها لحظة مرورها أمام أعيننا بل إننا نحتاج إلى وقت لرؤيتها بحيث إن الجسم الذي نراه الآن هو في حقيقته صورة ذلك الجسم قبل فترة زمنية مضت، فنحن لا نرى الأجسام في الظلام بل نراها حينما يكون هناك مصدر ضوئي يعكس لأعيننا صورة الجسم وهذه العملية تحتاج إلى وقت زمني.
كما أن النجوم التي نراها قد تكون منها نجوم انطفأت منذ زمن وما نراه هو صورتها التي لا تزال تصل إلينا كل نجم بحسب المسافة التي تفصله عن الأرض، فهناك نجوم قد تكون انطفأت منذ مئات السنين .
وهناك نجوم قد تكون انطفأت منذ عشرات السنين في حين أن صورة النجم لا تزال تنتقل إلينا عبر الأثير الذي يملأ الفضاء.
كذلك الحال بالنسبة للأصوات التي نسمعها فإننا بحاجة إلى مدة زمنية لسماعها، أي أننا لا نسمع الصوت لحظة خروجه من مصدره وإنما نسمعه بعد فترة زمنية قد تطول وقد تقصر وذلك بحسب المسافة التي تكون بيننا وبين مصدر الصوت. قال تعالى: (عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(92) سورة المؤمنون
فالخالق - عز وجل - كما أنه يختص بعلم الغيب فإنه يختص كذلك بعلم الشهادة أي أنه وحده من يرى ويسمع الأشياء على طبيعتها فهو سبحانه يسمع الأصوات لحظة خروجها من مصدرها ويرى الضوء لحظة خروجه من مصدره ويدرك الأشياء كما هي.
وهذا لا يعني أن ما نراه ونسمعه ليس حقيقا بل إنه حقيقي ولكننا بحاجة إلى زمن لإدراك الحقيقة التي أمام أعيننا ذلك الزمن الذي لن يستطيع التطاول على خالقه -سبحانه وتعالى- والذي يسير كل شيء بأمره -جل وعلا-.
أقول هذا بعد أن تابعنا معاناة مدينة جدة من جراء هطول الأمطار وما صاحب ذلك من فيضانات وسيول غمرت الشوارع وعدد من الأحياء وما نتج عن ذلك من وفيات وخسائر مادية فادحة.
تلك المناطق التي جرفتها سيول الأمطار كانت تقع في ممرات لسيول الأمطار منذ عشرات السنين ومع هذا لم يتنبه الجميع لهذا الأمر إلا بعد أن وقعت الكارثة وجرى لجدة ما جرى.
جدة كانت بحاجة إلى مشروعات صرف صحي ومشروعات تصريف مياه السيول والأمطار ومع هذا لم تكن مخاطر الأمطار في مخيلة مسؤولي المدينة رغم أن كل المؤشرات كانت تدل على أن زيادة معدل الأمطار سوف يؤدي إلى كارثة تمس الأرواح والأموال.
في الحقيقة أن الكارثة التي لحقت بجدة ليست من علم الغيب بل إنها من علم الشهادة والذي وصل إلينا بالصوت والصورة منذ فترة طويلة وكان من المفترض التعامل مع الأمر كما وصل إلينا وهو - وللأسف - ما لم يحدث وذلك بسبب الإهمال والتقصير وعدم تقدير المسؤولية ممن حملهم ولي الأمر أمانة المدينة بمن يسكن فيها.
ولكن السؤال الأهم هنا : هل سيتم العمل على معالجة كل ما حدث، وأخذ الاحتياطات التي تسهم في منع تكراره مستقبلاً لجدة ولغيرها من بقية مدن بلادنا؟!
إيميل: fauz11@hotmail.com