في ظل اهتمام الحضارة المعاصرة بالناحية الجسدية من الإنسان، وبسبب ضغط الواقع المادي الذي يعيشه أكثر الناس اليوم، ولضعف صلتهم بربهم وطاعتهم له.. انتشرت ظاهرة غريبة في حياة المسلمين ألا وهي: ظاهرة الملل والسآمة، والشعور بالضيق والضجر.. والتي أصبح لها وجود نسبي يقل ويكثر لدى الكبير والصغير، والذكر والأنثى، وصار كل واحد منهم يُعبِّر عنها بأسلوبه الفريد، وطريقته الخاصة.
مظاهر هذه الآفة:
ولعلنا إذا تأملنا بعض التصرفات والسلوكيات التالية رأينا أن من أسباب التعلُّق بها والإدمان على بعضها، ما يعيشه أحدهم من آثار تلك الظاهرة الجديدة.. وذلك من مثل:
1 - الكتابة على الجدران. 2 - ممارسة عادة التدخين. 3 - التفحيط والتسكع في الشوارع والأسواق. 4 - مشاهدة القنوات الفضائية الهابطة والإدمان عليها. 5 - الهروب يومياً إلى الاستراحات مع الزملاء والأصدقاء. 6 - كثرة النوم وحب الراحة والكسل. 7 - العزوف عن القراءة الجادة إلى قراءة الجرائد والمجلات الهابطة. 8 - الثرثرة بالهاتف لغير فائدة أو للإساءة للآخرين. 9 - إهمال الطالب مذاكرة دروسه وضعف الاستعداد للاختبارات. 10 - الإسراف في ممارسة الرياضة وقراءة جرائدها ومجلاتها.11 - كثرة الأسفار والرحلات للترفيه البريء وغير البريء. 12 - الانصراف عن العمل الجاد والمثمر بأي أسلوب وطريقة.. إلى غير ذلك من العلامات التي تدل على وجود هذه الظاهرة.
من آثار هذا الظاهرة:
وقد يستهين البعض بأمر هذه الآفة، ويرى أنها أمر لا مناص من الانفكاك عنه ولا علاج لها، آفة أنه ليس لها ذلك الأثر الذي يستحق الحديث عنه.. ولكن لو بحث أحدهم بكل صدق وموضوعية عن آثارها السلبية في عدد من جوانب حياته لرأى أن لها آثاراً كثيرة، نذكر منها أربعة:
أولاً: ضياع كثير من الخير والطاعة: وذلك أن الذي يشعر بالملل والسآمة والضيق والضجر، تراه لا يستطع القيام إلا بالواجبات من دينه فقط، وعلى تقصير وتفريط فيها، أما غيرها من نوافل الطاعات وأبواب الأجر والثواب كالمحافظة مثلاً على السنن والرواتب، أو القراءة المفيدة، أو القيام بواجب الدعوة وفعل الخيرات أو غير ذلك، فإنك سترى حجته في عدم إتيانه بها والمحافظة عليها أنه ليس له فيها مزاج أو أنها سنة فقط.. ولكن تجده بالمقابل عندما تتهيأ له برامج الترفيه والتسلية، ومناسبات الطعام والشراب فإنه يكون أول المسارعين والمشاركين فيها، بل والغاضبين إذا لم يدع. فانظر إلى آثار هذه الآفة على هذا الإنسان.. وكم فوتت عليه من مواسم الخير وأبواب الأجر؟
ثانياً: حدوث الفشل أو بعضه في تحقيق الآمال والطموحات:
حيث إن هذه الآفة تجعل صاحبها ينصرف عن الجد والاجتهاد، والحرص والمتابعة، والاهتمام بتحقيق كثير من الطموحات العلية التي يسعى لها كل إنسان فمثلاً: إن كان طالباً قصر في دراسته، وإن كان موظفاً أهمل في أداء واجبه، وإن كانت زوجة فرطت في حق زوجها وأولادها وبيتها..
وهكذا تتساهل فئات كثيرة من المجتمع المصابة بهذا الداء عن الأخذ بأسباب النجاح والتفوق الدنيوي في وقته، ويكسلون عن البذر والزرع في أوانه، منشغلين عن ذلك باللهو والترفيه لهذه النفس المضطربة، موسعين صدورهم بما لا يجدي ولا ينفع من البرامج، فإذا جاء زمن الحصاد وقطف الثمار لم يجدوا شيئاً، أو حصلوا على ثمرة رديئة، أو معدلاً منخفضاً، لا يؤهلهم للمستوى الذي يطمحون إليه، ولا للمستقبل الذي يتمنونه، وعندها يشعرون بشيء من الحزن والأسى، عندما لا ينفعهم ذلك لفوات وقته.
ثالثاً: خسارة العمر والمال والوقت:
فالذي يعيش هذه الحالة تجد أن همَّه وتفكيره أن يرفه عن نفسه باستمرار، ويضيّع وقته بأي عمل، فما تحين أية فرصة من ساعات، أو أيام من إجازة إلا وتجد تفكيره منصبّاً فقط في استغلالها بتلك البرامج الترفيهية والممارسات اللا مسؤولة، بغض النظر عن أنها ستقطع جزءاً من عمره فيما لا طائل تحته ولا فائدة فيه، أو أنها لن تنفعه أو تنفع أمته بوجه من الوجوه، المهم الترفيه وكفى!!
ليس معنى هذا أن نحجر على واسع، أو نحرم شيئاً أحله الله، ولكن نقول: إن هناك فرقاً بين إنسان ضيَّع كثيراً من عمره وأيامه ولياليه التي هي رأس ماله في هذه الحياة ببرامج الترفيه في البر والبحر، والتمشيات والسفريات، والقيل والقال، والذهاب والإياب، وأنفق الكثير من المال في تنفيذ وملاحقة تلك البرامج التي ليس لها كثير فائدة.. وبين إنسان يفكر في الطموحات الأخروية، والأعمال الباقية بعد موته، ويهتم بإصلاح نفسه وإصلاح أمته، ويجتهد لذلك غاية الاجتهاد بحفظ وقته وماله وجوارحه، ما بين علم إلى عمل، ومن دعوة إلى عطاء، ومن صدقة إلى إحسان، ومن تعاون إلى تكافل، ومع ذلك لم يضيق على نفسه بما أباح الله - كما يتصور أولئك الجاهلون - إنما أعطاها من الترفيه قدر حاجتها وما يعينها على القيام بتلك الواجبات والطاعات، مع احتساب نية الأجر والعبادة في كل ذلك.
رابعاً: الوقوع في المعاصي والذنوب:
وقد يصل بضغط هذه الآفة النفسية عند هذا الإنسان وما يشعر به من ضيق وملل أن يفكر في إزالة هذه الحالة والتخفيف من معاناته بأية طريقة وأسلوب، حتى ولو كانت عن طريق ارتكاب المحظور وفعل الحرام، بحجة أن المباح لا يكفيه ولا يحقق له ما ينشده من سعادة وطمأنينة!
فتجده مثلاً يقع، في مشاهدة القنوات الفضائية الهابطة، وشرب الدخان والشيشة، ومصادقة الصحبة المنحرفة، وفعل المحظورات، إلى أن يصل به ذلك إلى استعمال المخدرات وترك الصلاة - نعوذ بالله من ذلك - وهكذا ينحدر من سيئة إلى سيئة أسوأ منها، كل ذلك حدث لأنه لم يفكر جدياً بعلاج هذه الآفة في بدايتها بالطرق الصحيحة والأساليب السليمة التي تتفق مع الدين والعقل، وإنما تساهل في صدّها إلى أن أوصلته إلى هذه الآثار السيئة.