لماذا نهرب..؟ ومم نهرب..؟ وما الذي يجعلنا في حالة هروب دائم..؟.
الكل في حالة هروب.. ولكن السؤال المهم... لماذا الهرب..؟ ومن أي شيء نهرب..؟.
الموظف يهرب من عمله.. المدرس يتهرب من التدريس والطالب في حالة هروب من المدرسة.. والعامل يهرب من كفيله.. والشغالة تهرب من كافلها.. والمديون يهرب من صاحب الدين.. ومن يريد الاستدانة منك يفكر في التهرب منك قبل تفكيره في تسديد ما بذمته.. والذي تطلب منه قضاء حاجة يتهرب منك.. وهناك من يختلق مبررات الهرب منك.. ولم يقتصر هروبنا على هذا بل هناك هروب من البيوت صوب الاستراحات في رحلة بحث عن ملاذ.. استرخاء.. محطة للاختلاء بالنفس....
تواجهنا بعض المشاكل الأسرية أو الاجتماعية أو المادية أو الوظيفية... نضعف أمامها... لا نواجهها... لا نملك قدرة على مجابهتها فنهرب منها... ونترك حلها للزمن... وكأن المشكلة حبل ليف يبلى مع مرور الوقت فتتحلحل عقده.
هروب في صور وقوالب متعددة... لكن إلى أين..؟
الهروب في صور وأشكال وقوالب مختلفة من المطاردة اليومية.. وبات يومنا ساحة للركض.. فضاءً للهروب.. هرباً من...!!!
تتفحص السحنات الهاربة... تغوص في تفاصيلها علّك تظفر بقراءة دقيقة... تتمعن... تدقق... ربما تصل لتفسير مقنع... تبرير لا يثير الشكوك... يشخص لك الأمر... يعرّفك بمسببات هذا الهروب.
هذا الهروب يشبه الظل.. في التصاقه بنا... نهرب ولكن لا مفر... والظل تحاول الانفصال عنه بلا طائل..
نبحث عن فرص عمل وحين ندلف بوابة العمل لا نتورع من الهرب منه وننكص عن تأدية واجب الوظيفة... نريد أن نتعلم وندرس ونتحصل على الشهادة... لكننا ننهج نفس الطريق.. نتململ... وفي النهاية نركب طريق الهروب... وحين نتعرض لضائقة مالية نبحث عمن يقرضنا.. نستجدي... نتوسل... وحين يحنّ قلب أحدهم ويعطف إشفاقا وفك ضيقة.. وتفريج كرب... «نعطيه عراقيبنا» ولا نصدق... واليد العاملة تسعى للقدوم لبلادنا طمعاً في فرصة عمل وتدفع ما تدفع من مبالغ وتتكبد الشيء الكثير وما أن تصل إلى أرض المملكة تبدأ رحلة الهروب.
هذا الهروب صورة مزعجة.... مقلقة بالفعل.. تبحث عن الدوافع.. المسببات. قد تلم بشيء وتفوت عليك أشياء.. تعرف سبباً ولا تعرف جملة أسباب.. وقد... وقد... وقد ولكن..!!!
في انزوائك واختلائك بنفسك هروب من الآخرين... في شرود ذهنك وتفكيرك... والتحليق في عالم آخر... هروب أيضاً.
في حالة ضجرك... تحاول أن تبتعد... أن تنتقل إلى أجواء تخلو من الضجر والسخط.
الهروب... شبح يطاردنا.. هاجس لا يبرح تفكيرنا. يعطينا جرعة من الشجاعة (إن صحت التسمية) كي لا نواجه.. يجسرنا كي نبحث عن ملاذ... مخبأ... فهل في هروبنا من واقعنا نقطة ضعف في شخصيتنا..؟ أم في ضعف ذريعتنا..؟ أم أننا لا نملك حجة وبرهانا فنضعف أمام واقع نتعرّى في مواجهته. أسئلة تستعصي عليك الإجابة عنها... ولكن هل بحثنا عن السبب... الأمر المسبب..؟ الدوافع الكامنة وراء هذا الهروب.. الاستراحات واحدة من ملاذات الهاربين من البيوت التي تُخفي وراء أسوارها الكثير من الأسرار. فلنقف عندها ونسأل أحد مرتاديها.. عله يجيب أو ربما نجد من يعطينا الإجابة.
al-jazirah-qurayyat@hotmail.com