تعمد الأسر لإسداء النصح لأبنائها بغرض تجنيبهم بعض الصعوبات والمخاطر التي مروا بها أثناء مسيرة حياتهم أو سمعوها من والديهم، كما ينصح المعلمون طلابهم ويرون أنها بمثابة خارطة الطريق. ويسعى الدعاة لبذل النصيحة لتجنيب الناس الوقوع في الزلل. وكان الناس فيما مضى يتناقلون النصائح الذهبية، بل يبيعونها حتى كانت النصيحة بجمل!
ولئن كان منح النصيحة من باب كرم الأخلاق إلا أنها قد تكون في غير محلها حينما لا تتفق مع الزمان أو المكان أو لا تناسب أشخاصا بعينهم، فطبائع البشر لا تخضع لقانون دائم، فأغلبها يقوم على افتراض تسلسلي متوالٍ يعتمد بعضه على بعض فإن اختلت منه فرضية تهاوت النصيحة !
ومن أمثلة النصائح الطريفة التي وصلتني بالإيميل (ضرورة تسخين السيارة في الشتاء) وتتردد هذه النصيحة الاستفزازية لي دوما برغم أنها لا تخصني لكوني امرأة ! إلا أنها تهمني من باب الثقافة العامة، فنقلتها لغيري، بل كانت يوما ما حديث المجلس الأسبوعي الذي يضمني وبعض أفراد العائلة الحبيبة. وقبل عدة أيام انهمرت الرسائل تشكك في هذه النصيحة وتقلل من أهميتها لدرجة حصول مشادات في المنتديات حتى تم الاتفاق فيما بينهم ونشروا موضوعا بعنوان(القول الفصل في تسخين السيارة من عدمه) وكأنه أمر شرعي اجتمع عليه العلماء وأقروه، برغم أن المتناوشين لا يفهمون فيه إلا كفهمي بأحكام الضربة المرتدة في الشأن الكروي!
أما النصيحة الثانية فكانت تلقى على مسامعي منذ كنت طفلة وهي ضرورة شرب ثمانية أكواب من الماء يوميا ! وكنت أردد هذه النصيحة على من عرفت ومن لا أعرف! وأُجبر جسمي وأحقنه بربع الكمية وأشعر بالتقصير أمام كليتيَّ المسكينتين اللتين رفضتا الوصاية، فأَبغض جسدي الماء بجميع استعمالاته حتى خشيت على نفسي من قلة النظافة بسبب كرهي للماء الذي يعد أهم أدوات الاستحمام بل لا يقوم إلا عليه، ولا تفيد أية تقنيات أخرى بديلا عنه، واكتشفت مؤخرا أنه لا داعي لشرب هذه الكمية ولا ربعها. فالجسم هو الذي يقرر الكمية التي يحتاجها بالفعل دون فرض وصاية. ولأني تراجعت عن نصيحتي لمن أعرف وتبرأت منها إلا أنه مازال في ذمتي من لا أعرف حيث كنت مخلصة في بذل تلك النصيحة من ماركة (التنك)!
وقد تكون النصائح جارحة وفي غير محلها حين ننصح الفقير بضرورة تشكيل المائدة عند كل وجبة وتناول وجبات غنية بالمكونات الغذائية وهولا يستطيع توفير وجبة واحدة، فكيف بتوفير عدة وجبات؟ عندئذ تكون النصيحة (بايخة)!
أما النصائح المحبطة فهي النصيحة المضللة للزوجة (كوني له أمَة يكن لك عبدا) ولست أدرك سببا للعبودية من الطرفين عدا الإحباط الذي سيحيط بالزوجة حين تُمثل أمامه دور الأمَة سنين عدة بانتظار أن يكون عبدا لها لتتفاجأ بأنها قد أصبحت أمَة له ولأسرته ولأبنائه بل ولزوجته الجديدة!
أما النصيحة المغررة فهي من صيغة (كن مثابرا كالنملة فإنها تصعد الشجرة مائة مرة وتسقط ثم تعود صاعدة حتى تصل، دون كلل) ولازال تعجبي من هذه النملة التي تصر على صعود نفس الشجرة!
أفلم تفكر تلك النملة الغبية في تغيير الشجرة؟ فقد تعثر على شجرة أقصر قليلا وأكثر ثمرا ! ولن يزول تعجبي طالما هناك أشخاص يعيدون أنفسهم ويكررون ذات التجارب دون تفكير في تغيير المسار، فقد يكون خاطئا أو لا يتناسب مع الإمكانات المتاحة.
ترى ما نوع الشجرة التي تصعدها هذه النملة دوما فتسقط؟ ولماذا تتسلق النملة شجرة وهي تعتمد على الحبوب غالبا؟
يبدو أن هناك أنواعا من الشجر عصية على التسلق!
فلا تتسلقوا الأشجار الفارعة، ففي الشجر الممتد على الأرض غنى، ولا تصبحوا فرائس لنصائح مضللة أو مغررة أو متوالية ذات متون!
www.rogaia.net
rogaia143@hotmail.com