تحدَّث عالم الاجتماع المصري الدكتور سمير نعيم، عن ثقافة الاستهانة، مركزاً في حديثه على الأوضاع في أرض الكنانة، وذكر منها الاستهانة بأهم مقومات الثروة في مصر وهو نهر النيل
كما شهدت الأراضي الزراعية استهانة بها عن طريق البناء عليها وتحويلها إلى مخططات سكنية، وتمتد الاستهانة في مصر الشقيقة إلى آثار مصر، وثرواتها المختلفة، وتمتد ثقافة الاستهانة إلى الاستهانة بالنظافة والجمال والذوق والفن التي يمكن مشاهدتها في كل مكان، واعتبر الكاتب أن ثقافة الاستهانة تشكل منظومة عامة من القيم السلبية التي توجه سلوكيات المواطنين على اختلاف مواقعهم وطبقاتهم، وتلك القيم مهدرة للثروات، مهددة لحياة البشر وسلامتهم، وتعتبر من أهم معوقات التنمية.
وأود أن أقول للزميل الدكتور سمير نعيم إن ثقافة الاستهانة ليست منتشرة في مصر وحدها، ولكنها موجودة في معظم المجتمعات العربية، وأولها الاستهانة بحقوق الناس في العيش الكريم، والمشاركة في صناعة القرار، وإبداء الرأي حول القضايا المختلفة، ولو نظرنا إلى المجتمع السعودي لوجدنا ثقافة الاستهانة منتشرة في كل مكان، فهناك استهانة بالوقت وإهداره فيما لا ينفع الفرد ولا ينفع المجتمع، وهناك استهانة بالريال حيث يصرف دون تقدير أو حساب على أتفه الأشياء، وبمقارنة بسيطة مع بعض الشعوب، وبوضعنا في فترة التغير البطيء نجد أننا نستهين كثيراً بالمال الخاص والعام، وربما كانت واقعة جدة من أوضح المؤشرات على الاستهانة بأرواح الناس وأموالهم، ومن مظاهر ثقافة الاستهانة أنك عندما تدلف إلى دورات المياه في أحد المساجد فإن أول ما يلفت انتباهك كمية المياه المهدرة من الصنابير المختلفة، ويمكن أن تسمع صوت خرير الماء وأنت في الشارع، وهذه استهانة بمورد استراتيجي للبلاد، فنحن نعاني من شح طبيعي في الثروة المائية، فلا يوجد في البلاد أنهار ولا بحيرات، وأهم مصدر للمياه هو تحلية مياه البحر، وهي عملية مكلفة وباهظة، والاستهانة بالماء نجدها في كل منزل تقريباً.
وإذا انتقلنا إلى المنشآت العامة مثل الحدائق والمدارس والإدارات والمركبات الحكومية فإن ثقافة الاستهانة تواجهك في كل مكان، فدرجة المحافظة على تلك المنشآت من قبل المواطن تكاد تكون معدومة، فكثيرون ينشرون النفايات ويلقون بها هنا وهناك، مشكلة منظراً يصدم العين، ويكسر النفس، على الرغم من وجود صناديق النفايات في موقع قريب منهم، يضاف إلى ذلك ما تراه من كتابات نابية وساقطة على الجدران في الأحياء المختلفة، وثقافة الاستهانة بالأرواح والأنفس منتشرة، وخاصة بين الشباب، فحوادث السيارات تزهق في كل ساعة تقريباً روحاً بريئة، وتؤدي إلى تدمير الممتلكات العامة والخاصة، ولا أدري ما الذي يجعلنا مختلفين عن بعض الشعوب التي لا تكاد تسمع فيها بحوادث المرور مثل السويد، إن الفرق يكمن في ثقافة الاستهانة وعدم احترام الأنظمة والقوانين، ويكمن في عدم الاهتمام بالخطاب الثقافي الصامت المتمثل في السلوك الاجتماعي اليومي، إن المجتمع يقدم خطاباً لكل من يخالطه من الآخرين من خلال سلوكه اليومي واحترامه الأنظمة والقوانين، وتكاد تشعر بهذا الخطاب منذ الساعات الأولى التي تطأ فيها قدماك بلداً من البلدان.
إن الحل والعلاج لمشكلاتنا يكمن في فهم تعاليم الإسلام الخالدة، وفي تطبيقها على أرض الواقع، فالدين المعاملة كما يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} وأعطوا الطريق حقه، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} وإن الله جميل يحب الجمال، ويجب أن يكون المسؤول والمعلم والأب والضابط والمهندس ومن دون ذلك ستظل هناك فجوة بين المثال والتطبيق.
* أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام
رئيس الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية
zahrani111@yahoo.com