للهواجس عصا تضرب بالمرء حيث تغذي بها درب ما يعتلج فيه منها، فمن الناس من هاجسه المعرفة، وبلوغ بحورها، والغوص في أعماقها، والتعرف على مكنونها، وملامسة ذخائرها، وحينها لا أشد من هذه العصا إيغالاً، ولا أمتع من دروب هاجسها عطاء..
تختلف الهواجس فتختلف الدروب، وتوسم كل عصا بما تغذي به صاحب الهاجس من دوافع، ورغبات، وطموحات، وأحلام، وأخيلة، وربما توقعات..
والهواجس ليست وليدة الصدف إلا ما أتى منها وليد المفاجأة، حين تأخذ تكوينات المرء في التفاعل مع بعضها، كأنها البوتقة فيه لا تهدأ نارها حتى تعود تضطرم من جديد.. الهواجس تشط أحياناً حين تتعالى درجات الإحساس.. وتهبط أحياناً حين تعترضها مخذلات.. غير أنها تؤسس في الإنسان مع بناءاته المختلفة، وعند ترتيب خبراته، أو تعريضه لمجرياتها في خطوط حياته، ودروب مكتسباته..
ربما أجد في المدرسة ومن ثم في مؤسسات التعليم، وعرض الخبرات، وبث المعارف، أمكنة خصبة لتنمية هواجس إيجابية نافعة ومن ثم مثمرة في الإنسان، بمثل ما أجد في محضن التنشئة ما يحقق للفطرة في الإنسان التهويد أو التنصير.. كما قال صلى الله عليه وسلم. فمن لا يعرف كيف يمسك بعصا هاجسه لن يبلغ مرامي هواجسه ومن ثم يستكشف ما وراءها مما يبقى غامضاً لا يتجلى في مضمار الجني حين ضرب بالعصا في أودية الغراس والإثمار.