صحف - ماجدة السويّح
أوضحت نتائج دراسة حديثة (2009م) أن غالبية أنماط الجرائم التي ارتكبتها السجينات في سجني الرياض وجدة هي الجرائم الأخلاقية التي بلغت نسبتها (52.8%) للعائدات للجريمة و(47.2%) لغير العائدات للجريمة، فقد اتضح أن أغلب جرائم العينة المبحوثة كانت الجرائم الأخلاقية وهذه الجرائم متعددة ومتباينة يدخل من ضمنها الغش، والاحتيال، والتزوير، والسرقة وغيرها، وبيَّنت الدراسة أن غالبية السجينات عدن للجريمة مرة واحد على الأقل، يلي ذلك العود للجريمة مرة ثانية ثم ثالثة، ثم رابعة.
«صحف» التقت صاحبة الدراسة د.أسماء بنت عبد الله التويجري وطرحت عليها عدداً من الأسئلة حول العوامل التي أسهمت في عودة السجينة للجريمة بعد قضاء محكوميتها، والخصائص الاجتماعية والاقتصادية للعائدات للجريمة، وسبل العلاج.. فإلى تفاصيل الحوار:
العودة للجريمة عند النساء
ما سبب اختيارك لموضوع البحث (الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للعائدات للجريمة)؟
- ظاهرة العودة للجريمة تعد مؤشراً على خطورة المجرم وعدم فعالية العقوبة التي تلقاها في ردعه، فالعائد للجريمة يمثل خطورة على أمن المجتمع ومصالحه، وذلك لتأصل الإجرام في نفسه واكتسابه سلوكاً إجرامياً خطيراً من خلال تكرار الفعل الإجرامي. فمشكلة العودة إلى الجريمة من الموضوعات الجديرة بالبحث والدراسة؛ لأنها إحدى المشكلات الاجتماعية الخطيرة التي تعانيها أغلب المجتمعات، لما للجريمة من آثار سلبية على المجتمع وأمنه واستقراره. ومشكلة العودة عند النساء لا تزال الدراسات العلمية فيها قليلة على مستوى الوطن العربي، وفي المملكة على وجه الخصوص.
ظاهرة العودة للجريمة
في سجني الرياض وجدة
ما الهدف من دراسة ظاهرة العودة للجريمة عند النساء؟
- أوضحت أن ظاهرة العودة للجريمة توجد بشكل ملحوظ في سجني النساء بمدينتي الرياض وجدة، كونهما مدينتين فيهما كثافة سكانية عالية، وقد هدفت الدراسة إلى تحديد الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للممارسات للسلوك الإجرامي، ومعرفة إذا كانت العائدات للفعل الإجرامي يتصفن بخصائص اجتماعية واقتصادية مخالفة لخصائص غير العائدات، وتحديد الأسباب التي تدفع النساء إلى ارتكاب السلوك الإجرامي مرة أخرى بعد تلقيهن العقوبة التأديبية والإصلاحية من وجهة نظر السجينات، والكشف عن أنماط الجرائم المرتكبة، وتحديد عدد مرات العودة للجريمة، والتعرف على العلاقة بين نمط الجريمة والوضع الفعلي للسجينات.
صحيفة السوابق صك إدانة دائم
ما العوامل المساعدة للعودة للسلوك الإجرامي؟
- العائد للجريمة قد لا يعود إليها بسبب عامل واحد فقط، وإنما نتيجة تداخل عوامل عديدة ومتشابكة يصعب أحياناً الفصل بينها، ومن أهم هذه العوامل عدم تقبل المجتمع للمفرج عنهم ومعاملتهم بالنفور والإهمال ونتيجة لهذه العزلة والإهمال والنفور والصعوبة في الاندماج مع المجتمع يعود إلى الجريمة مرة أخرى.
وتظهر مظاهر عدم تقبل المجتمع للمفرج عنهم من المؤسسات الإصلاحية من خلال صحيفة السوابق، فالمتهم بعد انتهاء فترة محكوميته ينال مزيداً من العقاب بعد خروجه من السجن، فيحرم من العمل المناسب والحياة الكريمة بالرغم من تكفيره عن خطئه، فلا يتوقف الأمر على الرفض المجتمعي فقط، وإنما يسهم الرفض الحكومي في ممارسة هذا الدور.
ومن مظاهر الرفض عدم تقبل المجتمع للمفرج عنهم كشركاء عمل أو تجارة، وعدم تقبل مصاهرة المفرج عنهم، وصداقتهم. وأيضاً من العوامل المساعدة للعودة للجريمة اختلاط المجرم بجماعات إجرامية أو أفرادية من المجرمين، والتفكك الأسري، والأوضاع الاقتصادية المتدنية التي تدفع للجريمة، فللفقر أثرٌ غير مباشر على الظاهرة الإجرامية، كما يرتبط بظاهرة الجريمة مفهوم البطالة.
سجنا الرياض وجدة لجميع الجنح
لماذا تم اختيار مدينتي الرياض وجدة لتطبيق الدراسة؟
- مجتمع البحث يتكون من جميع مرتكبات الجنح الإجرامية للعائدات وغير العائدات في كل من سجني الرياض ومدينة جدة، كون المدينتين من المدن الكبيرة في المملكة وذات كثافة سكانية عالية، وبالتالي يتفاوت مجتمعها تبعاً لذلك من الناحية الاجتماعية أو الاقتصادية أو غيرها.
(3287) مجموع السجينات
كم بلغ عدد السجينات خلال إجراء الدراسة؟
- بلغ عدد السجينات السعوديات عام 1429هـ (312) سجينة، فيما بلغ عدد السجينات غير السعوديات (2975) سجينة حسب إحصائيات المديرية العامة للسجون بوزارة الداخلية.
100 سجينة عائدة للجريمة
كم بلغ عدد عينة الدراسة؟
- بلغ حجم عينة الدراسة (210) من العائدات وغير العائدات للجريمة، (110) سجينات في الرياض؛ (50) من السجينات عائدات للجريمة، و(60) غير عائدات، وفي جدة تم دراسة (100) سجينة؛ (50) منهن عائدات و(50) سجينة من غير العائدات.
أغلب السجينات
لا يتجاوزن (40) سنة
ما أهم النتائج التي توصلت لها الدراسة؟
- كشفت الدراسة الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للممارسات للسلوك الإجرامي، فغالبية مرتكبات السلوك الإجرامي سواء من العائدات أو غير العائدات انحصرن في الفئة العمرية من (31-40) سنة، وأقل من (30) سنة.
ما السبب في وقوع الفئة العمرية للعائدات وغير العائدات للسلوك الإجرامي في عمر (31-40) سنة وأقل من (31) سنة؟
- يمكن عزو ذلك إلى ظروف اجتماعية واقتصادية قاهرة، فربما تتمثل الظروف الاقتصادية في الفقر وضيق العيش، وقد تكون الظروف الاجتماعية تتمثل في عدم الوعي الكافي الناجم عن قلة التعليم وغير ذلك؛ لأن الفئة التي تمارس الإجرام هي فئة مسئولة وفي مرحلة نضوج فكري.
غالبية السجينات مطلقات
ما الخصائص التي اتصفت بها عينة الدراسة حسب المستوى التعليمي والحالة الاجتماعية والمهنية؟
- غالبية عينة الدراسة من ذوات التعليم المنخفض (أمي - متوسط)، وغالبيتهن من المطلقات وقد تم طلاقهن قبل السجن في المرة الأولى، كما أن غالبيتهن من العاطلات عن العمل ومصدر دخولهن الشهري متدنٍ ولا يتجاوز الـ(1000) ريال شهرياً، ومن سكان الشقق والمنازل الشعبية. والسبب أن قلة التعليم ترتبط عادة بظروف اجتماعية واقتصادية، وربما بيئية، وتبرهن هذه النتيجة أن انخفاض المستوى التعليمي وحده لا يُعدُّ مبرراً كافياً ومؤثراً مباشراً في العودة للجريمة. فالسلوك الإجرامي له دوافع اجتماعية يتأثر بها مثل التفكك الأسري الذي اتضح من خلال هذه النتيجة، التي بيَّنت أن الغالبية من السجينات مطلقات، فقد يكون السبب الحالة الاقتصادية التي يعشن فيها بسبب عدم وجود العائل، الذي يعكس أن الطلاق سبب في ارتكاب السلوك الإجرامي والعودة له بالنسبة للنساء. فحتى مع وجود الظروف الاقتصادية التي قادت للإجرام هناك خصائص أخرى ساعدت في الوقوع في الجريمة، على سبيل المثال ضعف الوازع الديني، وعدم وجود الحسيب والرقيب على تصرفات الأسرة، إضافة للتفكك الأسري السائد.
غياب الموجه والرقيب
كيف يؤثر التفكك الأسري في ارتكاب السلوك الإجرامي عند النساء؟
- اتضح من خلال الدراسة أن غالبية والدي عينة الدراسة متوفون، والتفكك الأسري كان سبباً مباشراً في الوقوع في الجريمة، وقد تبيّن أن غالبية أفراد العينة من المطلقات وبالتالي حينما يعدن إلى بيت والديهن ينعدم وجود الحسيب والرقيب والموجه الذي يُعتمد عليه في الأسرة بسبب وفاة الوالدين، وبالتالي انعدمت القيم والأعراف السائدة لديهن، مما قادهن إلى الانحراف وارتكاب الجرائم.
وكشفت الدراسة أن مرتكبات السلوك الإجرامي من العائدات وغير العائدات يتميزن بقلة عدد الإخوان الذكور، كما يعشن في أسرة ليست بالكبيرة الحجم، سواء حسب عدد الإخوة الذكور أو عدد الأخوات الإناث، ويقع ترتيبهن بين إخوتهن من الإناث والذكور في الترتيب الأول والثاني والثالث.
صديقات السوء المتهم الأول
ما أهم الظروف الاجتماعية التي أدت لارتكاب الجريمة للسجينات؟
- تتنوع الظروف الاجتماعية التي تؤدي لارتكاب الجريمة ما بين أصدقاء السوء، والمخدرات وإهمال الوالدين والفراغ وكثرة خلافات الوالدين ووفاة أحد الوالدين والحرمان العاطفي والهروب من الأسرة بسبب العنف وأسباب أخرى مثل وفاة الوالدين. وقد أفادت غالبية السجينات بأن صديقات السوء هن السبب الرئيس في ارتكاب الجرائم، وبلغت نسبة ذلك (26.9%) بالنسبة لغير العائدات للجريمة و(16.4%) بالنسبة للعائدات للجريمة، يلي ذلك مباشرة الحرمان العاطفي.
الفقر وتقليد الآخرين
ما الظروف الاقتصادية التي عاشتها السجينات قبل الدخول للسجن ودفعتها لارتكاب الجريمة؟
- هناك تباين في الظروف الاقتصادية التي أدت لارتكاب الجريمة، مثل عدم وجود دخل ثابت وعدم كفاية الدخل المادي، والأعباء الأسرية، والفقر والبطالة، وحب تقليد الآخرين فيما يملكون، والديون. وقد أفادت السجينات لأول مرة بأن هناك ظروفاً اقتصاديةً أخرى قادت إلى دخولهن للسجن بعد ارتكاب الجريمة، وتمثلت تلك الظروف في الفقر وعدم وجود دخل ثابت بنسبة (11.7%) و(8.6%) على التوالي. في حين بررت غالبية العائدات للسجن الظروف الاقتصادية بالفقر الذي يعيق تقليد الآخرين فيما يملكون، وتأثير الظروف الاقتصادية على العائدات للجريمة كان أكبر مقارنة بغير العائدات.
أسباب العودة للسجن من وجهة نظر السجينة
من وجهة نظر العائدات للسجن مرة أخرى، ما الأسباب التي دفعتهن للعودة؟
- كشفت السجينات أن من الأسباب التي دفعتهن لارتكاب السلوك الإجرامي مرة أخرى بعد تلقيهن العقوبة التأديبية والإصلاحية استمرار المشكلات الأسرية الناجمة عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة، وعدم زوال المشكلات السابقة المتراكمة التي أدت للسجن في المرة الأولى، كما أن السجن ومخالطة السجينات (صديقات السوء) أسهم بدرجة كبيرة في العودة للجريمة، فقد أفادت العائدات بأن صديقات السوء اللاتي اختلطن بهن هن سبب مباشر للعودة للجريمة مقارنة بغير العائدات للجريمة.
ومن بين الأسباب نظرة المجتمع لمرتكبات الجريمة بأنهن «خريجات سجون» ساهمت في العودة للجريمة مرة أخرى، والشعور بالظلم والقهر يقود لارتكاب الجرائم، واستمرار المشكلات الاقتصادية، ومجاراة الصديقات وتقليدهن قادهن لمعاودة السلوك الإجرامي.
وكان تأثير الظروف الاجتماعية على العائدات للجريمة أكبر من غير العائدات لها، كما أن تأثير الظروف الاقتصادية كان أكبر تأثيراً من الظروف الاجتماعية.
الجرائم الأخلاقية في الصدارة
تتنوع أنماط الجرائم المرتكبة من قبل السجينات، فما أنماط الجرائم المرتكبة؟
- نمط الجريمة الأولى لعينة الدراسة بالنسبة لغير العائدات للجريمة كان هو الجرائم الأخلاقية بنسبة (47.2%) في حين تنوعت أنماط الجرائم؛ كالسرقة والمسكرات والقتل والتزوير بأعداد قليلة ومتباينة. وبالنسبة للعائدات للجريمة فغالبية نمط جريمتهن الجرائم الأخلاقية بنسبة (52.8%)، يلي ذلك المخدرات.
56.2% عائدات للجرائم الأخلاقية
كم بلغت عدد مرات العودة لمرتكبات السلوك الإجرامي من العائدات للجريمة؟
- نلاحظ أن غالبية العائدات للجريمة من مرتكبات الجرائم الأخلاقية يعدن لهذه الجريمة مرة واحدة بنسبة بلغت (56.2%)، في حين بلغت نسبة اللائي عدن لهذه الجريمة مرتين (24.7%)، وبلغت نسبة من عدن ثلاث مرات (13.7%)، بينما نجد أن نسبة من عدن لهذه الجريمة أربع مرات فأكثر لا تتجاوز (5.5%).
أما بالنسبة لجريمة السرقة وجريمة المسكرات والمخدرات وجريمة القتل والتزوير، فبالرغم من وجودها إلا أنها ترتكب بشكل طفيف، إذا استثنينا جرائم المخدرات التي ترتفع قليلاً، فقد بلغت نسبتها (47.1%) للعائدات لهذه الجريمة مرتين، ونسبة (41.2%) للعائدات للجريمة مرة واحدة، وبنسبة (5.9%) للعائدات لهذه الجريمة ثلاث مرات.
الوضع الفعلي
يؤثر على نمط الجريمة
كيف يؤثر الوضع الفعلي للسجينة على نمط الجريمة المرتكب لدى السجينات؟
- أوضحت الدراسة العلاقة بين نمط الجريمة والوضع الفعلي للعائدات ولغير العائدات، فالعلاقة الأسرية السائدة التي يعيش فيها أفراد العينة والمتمثل في التفكك الأسري السائد وعدم وجود الأمان والحرمان العاطفي كانت ذات أثر كبير في ارتكاب السلوك الإجرامي، كما توجد فروق بين العائدات للجريمة وغير العائدات فيما يتعلق بالوضع الشخصي من انخفاض مستوى التعليم ومستوى الفهم وضعف تقدير الذات، فالعائدات للجريمة أفدن بأن الوضع الشخصي كان سبباً مباشراً على جميع الجرائم المرتكبة من سرقة وزنا ومخدرات وقتل وغيرها.
طول فترة المقابلة
ما أبرز الصعوبات التي واجهتك خلال فترة الدراسة؟
- من أبرز الصعوبات التي واجهتها في الدراسة رفض بعض النزيلات الإجابة على الاستبيان بالرغم من معرفتهن بالقراءة والكتابة، إضافة إلى أمية بعض النزيلات، وقيام بعض النزيلات بتغيير إجابتهن عدة مرات مما يستهلك وقتاً إضافياً من خلال العودة للاخصائية الاجتماعية، والتأكد من صحة المعلومات التي أدلين بها، وعدم صراحة النزيلة في بداية المقابلة ولكن بعد شعورها بالاطمئنان والثقة تبدأ في تزويدي بالمعلومات الصحيحة التي تتطلب طول فترة المقابلة التي تمتد إلى يومين أحياناً.
التدريب المهني للسجينات
بعد الدراسة ورصد الحالات، ما الحلول التي ترين أنها قد تسهم في معالجة ظاهرة العودة للجريمة لدى النساء؟
- بعد الانتهاء من الدراسة قمت بطرح عدد من التوصيات والاقتراحات التي يمكن أن تسهم في التخفيف أو الحد من الجرائم لأول مرة أو للعائدات له، من هذه الحلول توفير خدمات مهنية داخل المؤسسات الإصلاحية لتعليم السجينات مهنة تساعدهن في حياتهن لتكون مصدر رزق لهن بعد الخروج من السجن، وتفعيل هذه المهن كماً ونوعاً عن طريق مكتب متخصص لتوظيف السجينات.
ضرورة إجراء مزيد من البحوث المتخصصة في مجال العوامل المرتبطة بارتكاب السلوك الإجرامي والعودة له، يشمل جميع مناطق المملكة حتى تكون نتائجه أكثر شمولية ودقة، ليستفاد منه في معالجة الظاهرة.