منذ أيام أعلنت شركة فورد الأمريكية لصناعة السيارات عن تحقيقها لأرباح صافية عن عام 2009 بلغت 2.7 مليار دولار، وذلك بعد ثلاث سنوات من الخسائر الكبيرة المتواصلة التي ناهزت حوالي 40 مليار دولار..
فقد بلغ صافي خسائرها في عام 2006م حوالي 12.7 مليار دولار، ثم لحقت بها خسائر جديدة في عام 2007م بلغت حوالي 12.2 مليار دولار، في حين بلغت خسائرها في عام 2008 حوالي 14.8 مليار دولار.. وبالرغم من ضخامة هذه الخسائر فقد رفضت الشركة الحصول على مساعدات أو دعم مالي من الحكومة الفيدرالية مثلما فعلت شركة جنرال موتورز، التي حصلت على مبالغ بلغت حوالي 50 مليار دولار للتغلب على تداعيات الأزمة الاقتصادية وعدم إشهار الإفلاس.. وبالرغم من تعافي شركة جنرال موتورز نسبياً من تداعيات الأزمة المالية، إلا أن أرباح شركة فورد تبدو ظاهرة تستحق التقدير.. فالتحول من خسائر متراكمة بقيمة 40 ملياراً إلى أرباح 2.7 مليار خلال عام واحد يُعدُّ أمراً ينم عن خطة إنعاش قوية حققت أهدافها.
وهذه الظاهرة ليست مهمة لنا بقدر أهمية دلالاتها، حيث إنها تنهي كثير من الجدل المثار حول وتيرة تعافي الاقتصاد العالمي، فالتقارير المتوالية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي أصبحت تتباين توقعاتها لمعدلات نمو وتعافي الاقتصادي العالمي أصبحت أمراً مثيراً للدهشة، لماذا هذا التباين؟ وكيف نأخذه؟، بل إننا إذا أضفنا إلى هذا الجدل التقلبات الحادة التي بدأت تسجلها أسعار النفط العالمية يصبح الأمر ظاهرة تستحق الدراسة.
فعلى سبيل المثال أعلنت الإدارة الأمريكية مؤخراً عن تحقيق الاقتصاد الأمريكي لمعدل نمو استثنائي خلال الربع الأخير من عام 2009 بلغ 5.7%، وهو معدل لم يحققه الاقتصاد الأمريكي منذ 6 سنوات تقريباً، وهو نمو يتزامن مع تحقيق غالبية الشركات الصناعية العالمية الكبرى لأرباح صافية بلغت معدلات تفوق المتوقع.. بمعنى أنه توجد إشارات قوية على تعافي وتنامي الطلب الاقتصادي العالمي، ولكن مع ذلك تتراجع أسعار النفط بأكثر من 12 دولارات خلال فترة الأسبوعين الماضيين.. إننا أمام معضلة حقيقية في تقدير حقيقة وضع الاقتصاد العالمي.. فالشركات الكبرى أصبحت تحقق أرباحاً، والاقتصاد الأمريكي صاحب مواطن الأصول المالية الفاسدة بدأ يتعافى، بل بدأ يحقق أعلى معدل نمو اقتصادي له منذ نصف عقد سابق، ومع كل ذلك، تتباين المعلومات الواردة إلينا.
إن الكثير من الشركات الوطنية الخليجية وأيضاً الكثير من رجال الأعمال والمتداولين في أسواق الأسهم أصبح لديهم نوع من القلق حيال المعلومات الآتية من الخارج.. فبعض هذه المعلومات لتقارير دولية تطالب بإيقاف خطط التحفيز التي أوشكت أن تتسبب في تضخم حاد في بعض الدول، في المقابل فإن بعض التقارير الأخرى لا تزال تطالب بالمزيد من التوسع في خطط التحفيز، ويتوعدون الاقتصاديات التي ستتوقف عن التحفيز بمآسي جديدة؟
وفي اعتقادي أن ما ينطبق على الاقتصاديات المتقدمة لا ينطبق كلية على الدول العربية، وبخاصة في ظل وجود فترة إبطاء أو فجوة إفصاح بيننا وبينهم، وفي اعتقادي أن الاقتصاديات صاحبة موطن الأزمة قد بدأت فعلياً في التعافي.. في حين أن الاقتصاديات العربية المتلقية للأزمة تقع ما بين اقتصاديات تتلكأ في الإفصاح عن حقيقة تأثيرات الأزمة عليها كما ظهرت أزمة مديونيات دبي في ديسمبر 2009، وما بين اقتصاديات قوية لا ترغب في الكشف عن أرقام الأزمة وتسعى لامتصاص تأثيراتها من خلال فوائض أو احتياطيات متوافرة وتكفي لهذا الغرض.
وبالطبع الوضع الثاني أفضل كثيراً عن الأول.
خلاصة القول إن الاقتصاد العالمي قد تعافى، وحتى الاقتصاد الأمريكي ما يأتينا عنه من اضطرابات إنما هو من قبيل بحث الإدارة الأمريكية عن أوضاع مثالية، إلا أنه لم يعدُّ كما كان منذ عامين.
(*) محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com