Al Jazirah NewsPaper Sunday  31/01/2010 G Issue 13639
الأحد 16 صفر 1431   العدد  13639
 
الناس يتساءلون
د. عبدالله بن سعد العبيد

 

إن كان هناك ثمة أمر غيبته في دراستي للدكتوراه وندمت على ذلك كثيراً هو التساؤل المطروح دوماً حول مَن يتحمل مسؤولية البطالة أهو الشاب أم رب العمل وعلى من تقع بالنهاية أسباب البطالة؟

ولم يكن تغييبي ذلك أمراً مقصوداً إطلاقاً بل كان من واقع تأثير الحالة العامة التي عاشها أرباب العمل وكانت سائدة بشكل كبير في أعقاب تطبيق الجهات المسؤولة لأنظمة السعودة وما صاحبها من اشتراطات لنسب توطين الوظائف لديهم، فذهبتُ بناءً على مناداتهم للشباب للإقبال على العمل في مجالات لا تجد عادةً القبول في أوساطهم، ذهبت لبحث وتقصي أسباب عزوفهم عن العمل في تلك المجالات.

ففي البحث الذي قدمته في ربيع 2003م أي قبل نحو سبع سنوات بعنوان (مواقف واتجاهات الشباب السعودي للعمل في القطاع الفندقي بمدينة الرياض) ونلت على أثره درجة الدكتوراه بتفوق في الجامعة الأمريكية بلندن والذي تم تسجيله لاحقاً في مكتبة الملك فهد الوطنية بعد اعتماد نشره من وزارة الإعلام، بيّنتُ عدداً من النقاط التي وردت في البحث على هيئة نتائج وتوصيات ضمن الملخص العام للدراسة - الملخص الذي استأثر بنصيب كبير من الشد والأخذ والرد من قِبل لجنة الحكم - بعد أن قدمت لها على النحو التالي: نظراً لقلة إقبال الشباب السعودي على العمل في القطاع الفندقي، قمنا بدراسة الأسباب من خلال استبانتين استطلاعيتين، ووصلنا من خلال نتائج الاستبانتين إلى التوصيات التالية: تشكيل لجنة من عددٍ من الجهات الحكومية لوضع خطة مثالية لتوطين العمالة عبر الطرق التالية: الترويج للوظائف الفندقية وترغيب الشباب السعودي للالتحاق بها، ورسم سياسة معينة للأجور وإلزام الفنادق بتنفيذها، ورسم سياسة معينة لتطوير الشباب الملتحقين حديثاً بالعمل الفندقي لمنع تسربهم وظيفياً وإلزام الفنادق بتنفيذ تلك السياسة، والعمل على إنشاء المزيد من المعاهد الفندقية المتخصصة التي تخرج الشباب للعمل في الوظائف الخدمية الفندقية وأخيراً وضع خطة لقصر معظم الوظائف الفندقية وتفعيل عملية الإحلال.

وبغض النظر عن اقتصار الدراسة التي كانت ميدانية وقامت على مبدأ استبانة واستطلاع آراء الشباب حول الموضوع محل الدراسة، أقول بغض النظر عن اقتصارها على الوظائف الفندقية وحصر استطلاع رأي أفراد العينة حول العمل الفندقي وظروفه وأسباب عدم الرغبة في ممارسته والإقبال عليه، إلا أن ذلك لا يمنع سحب معظم ما جاء من نتائج وتوصيات في تلك الدراسة على باقي القطاعات الخدمية المتماثلة الأخرى، بل قد لا تُمثل المهن الخدمية الأخرى تلك عامل جذب للشباب السعودي لطبيعتها وظروف ممارستها وأدوات العمل بها والعائد المادي منها، بخلاف أن طبيعة الأعمال الفندقية يتوافر بها عوامل مغرية في حالة ممارستها ولا تتوافر بغيرها ما يقلل الجدل حول نتائج دراسة أسباب عزوف الشباب عنها.

لست بصدد تحليل تلك الدراسة وسرد تفصيلاتها وظروفها ولكنني أود أن أشير إلى أن نتائجها وتوصياتها وإن فقد أحدها قوته وفاعليته وفائدته ومواءمته نظراً لمرور وقت يُعد طويلاً في عُرف قضايا الساعة كالسعودة أو البطالة أو التوطين، إلا أن ما ورد فيها جدير بالمناقشة والبحث والتطبيق خصوصاً إذا علمنا أنه لم يأتِ من فراغ ولم يكن من بنات أفكار الباحث إنما عكس تأكيد أو رفض مجموعة الشباب هدف البحث ومحل الدراسة لفرضيات عمومية قدمها الباحث وهو ما يُعد عُرفا سائداً في أسلوب البحث العلمي والدراسات التي تُبنى على آراء وأفكار ومواقف أفراد يمثلون شرائح مختلفة بغرض استطلاع التوجهات العامة والأطر الرئيسة لأيديولوجيات مجتمع معين في قضية محددة.

نعلم أن الجهات المعنية تعمل بجد واجتهاد لتحقيق نتائج إيجابية في القضاء على البطالة، ونعلم أن ثمة العديد ممن يعدون توطين الوظائف هاجساً يؤرقهم صباح مساء، ونعلم أنه قد تم مؤخراً الإعلان عن الاستراتيجية الوطنية للتوظيف وما حملته من آليات وبنود عديدة ننتظر توضيحها والإفصاح عن تفاصيلها في القريب العاجل، إلا أنني ما زلت أطرح التساؤلات التالية: هل تم توظيف الإعلام لخدمة التوظيف والقضاء على البطالة بمفهومها المُعلن ومحاولة التأثير في القضاء على مفهوم تصنيف الوظائف لدى الشباب والعمل على تقليل الضغط السيكولوجي النفسي الذي تمارسه الجماعة على الفرد حين ينوي العمل المهني، وتبني مفهوم المهنة الذي يلغي عمومية التخصص ويؤكد ارتباط الوظائف الحالية والمستقبلية بالمهن التخصصية، وهل تم تحديث خطط قصر الوظائف الذي تم الإعلان عنه سابقاً وهل تم رسم استراتيجية لتطوير الملتحقين حديثاً بالعمل وبالتالي ضمان عدم تسربهم وعودتهم عاطلين عن العمل مجدداً وهم من تم صرف مبالغ طائلة وميزانيات ضخمة لإعدادهم وتدريبهم لممارسة العمل، ثم هل تم رسم سياسة معينة للأجور ولا أقول وضع حد أدنى للأجور وهل تم تأهيل الملتحق بالمعاهد المهنية لممارسة العمل المهني ولا أقول مجرد تدريبه فقط، وأخيراً هل تم اعتبار البطالة أو العطالة أو عدم العمل قضية وطنية تتطلب رفع حالة التأهب لمواجهتها والعمل على تقديم جهد حقيقي وواقعي قابل للتنفيذ للتعامل معها. تلك الأسئلة لاشك سوف تقدم جواباً كافياً وشافياً للسؤال المذكور في بداية المقال.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد