عرفت بعد أن تلقيت عدة مكالمات هاتفية ورسائل جوال نصية عقب نشر مقالتي للأسبوع الماضي عن» كيف يمكن أن تكون جدة غير؟».. عرفت كيف أن كثيراً من أبناء هذا الوطن الغالي مغرمون بحب هذه الأرض. وتجسَّد ذلك الحب في اهتمامهم بما أثرته حول أوضاع محافظة جدة، وهي أوضاع لا تسر من يحبها حبَّاً صادقاً. وحب جدة ليس وقفاً على أهلها، فكلنا نحب جدة، تماماً كما نحب كل شبر في بقية هذا الوطن. وكنت في مقالتي الأسبوع الماضي قد أثرت حاجة محافظة جدة إلى اهتمام أكثر من أمانتها، حتى تظهر كما يحلم الكثيرون.. عروساً للبحر الأحمر. وشددت على أن جدة تحتاج فعلاً إلى مشروعات بلدية وتنموية كبيرة، وهذا يحتاج بالضرورة إلى اعتمادات مالية كثيرة، إلا أنها تحتاج في الوقت نفسه إلى انتباه واهتمام قد لا يكلف كثيراً. وما كنت أشير إليه، وحددته وفق ما رأيته في شمال جدة ومنطقة وسط البلد، يحتاج إلى لمسات أو رتوش لإصلاح التشوهات القائمة في الأرصفة، على سبيل المثال، والاهتمام بالنظافة. فما شاهدته يعكس إهمالاً واضحاً ودرجة متدنية جداً جداً من النظافة. وطالبت، إذا كانت الأمانة تعاني من ضعف إمكاناتها المادية والبشرية، أن تفعل جانب المسؤولية الاجتماعية التي يفترض أن يتحملها رجال الأعمال والأثرياء والشركات في محافظة جدة، وإجبارهم على ذلك إذا لزم الأمر، لأنه من واجبات هؤلاء، وهم يعملون في جدة، ويجنون من ثمارها، وعليهم بالتالي، وبالضرورة، مسؤولية اجتماعية نحوها. والمسؤولية الاجتماعية ليست منّة، بل هي واجب، ويجب أن تتحول إلى عمل مؤسسي. وليس المطلوب أن تكون مساهمة هؤلاء مجسمات جمالية، كما كان يحصل في السابق، بل أعمال تفيد المواطن وتحسن من أحوال هذه المدينة.
ومن بين الملاحظات التي وردت حول هذه المسألة تحديداً، ما قاله لي أخي اللواء متقاعد عبدالقادر عبدالحي كمال، عضو مجلس الشورى الأسبق، الذي يرى أن هذه ليست مسؤولية أهل جدة أفراداً أو شركات، بل هي مسؤولية الأمانة في الدرجة الأولى. وأن الأمانة يمكنها أن تستخدم دخلها من الغرامات التي تفرضها على العديد من المخالفات في تحسين الأرصفة ومعالجة ما أشرت إليه من تشوهات في مقالتي الأسبوع الماضي. وشدد اللواء كمال على أن إظهار محافظة جدة بالصورة الحسنة أمر لا يجب التهاون فيه إطلاقاً، فهي واجهة المملكة العربية السعودية الأولى لكل القادمين إليها من المعتمرين والحجاج، كما أنها محط أنظار العديد من رجال المال والأعمال بحكم ما يعقد فيها من مؤتمرات وندوات ومعارض دولية. وحول ما أشرت إليه في مقالتي السابقة من ملاحظات حول أداء أمانة محافظة جدة، تمنى اللواء كمال أن تكون لدى المسؤولين الكبار في الأمانة، ورؤساء البلديات الفرعية، ما أسماه بخاصية الملاحظة. وهذه مسألة مهمة يؤكد عليها اللواء كمال، إذ يقول إنه يمكن أن يتم تقسيم المحافظة إلى مناطق، بحيث يمكنهم بذلك أن يقفوا على أوضاع المحافظة بأكملها بشكل دوري وتسجيل ملاحظاتهم وإيجاد الوسائل العاجلة والعملية والفاعلة لعلاجها. خاصية الملاحظة يجب أن تكون من سمات العاملين في الأمانات عموماً. واعتقد أن هذه الخاصية يجب أن تكون جزءاً من صميم عملهم. وأحسب أن ذلك يعني ويتطلب بالدرجة الأولى الإخلاص والتفاني والجدية في العمل. وفي محادثة أخرى استغرب أخي الفاضل أحمد سعيد العمري أن تغيب مثل هذه الأمور عن أنظار المسؤولين في أمانة محافظة جدة، بينما يراها كل من يعيش في جدة أو يزورها، مؤكداً أن من المؤسف أن يكون هناك أيضا تفاوت بين أحياء المحافظة من حيث الترتيب والنظافة، حيث يتم الاهتمام بالأحياء التي يسكنها الكبار فقط، وذلك على الرغم من أنني قدمت أمثلة لتدني أوضاع مناطق راقية من المحافظة، وضربت مثلاً بجزء من الكورنيش الشمالي. أما عضو مجلس الشورى المفكر والأديب الأستاذ إبراهيم البليهي، وهو صاحب خبرة عملية سابقة في الشؤون البلدية، فقد قال في رسالة نصية» قرأت رثاءك واحتراقك لجمال جدة، فأنت فنان ويؤلمك انتهاك الجمال وإهماله». وفي قول البليهي معانٍ كثيرة أحسب أنها لا تغيب عن فطنة القارئ، وأتمنى أن يستوعبها فكر المسؤولين في أمانة محافظة جدة. وقال الدكتور عبدالرحمن صالح الشبيلي، عضو مجلس الشورى الأسبق والإعلامي والتربوي المعروف، أن» المقال يعبر عن وطنية وصدق النوايا» متمنياً أن يراه المعني بالأمر مواطناً أو مسؤولاً. وقالت لولوة إسحاق، وهي من سكان محافظة جدة، أنني قلَّصت هموم جدة في جولة قصيرة، ونحن صباح مساء نعايش هذا الوضع الرديء. وأكتفى الزميل الدكتور محمد حمد القنيبط بإبداء إعجابه بالمقال، وللإعجاب أكثر من معنى. كما فعل ذلك رئيس اللجنة الوطنية للمكاتب الاستشارية الدكتور فؤاد بوقري. أما الأخ الفاضل فارس العبدالكريم، رجل الأعمال من المنطقة الشرقية، فقد كان متحمساً للمقال وموضوعه، وتفضل بإرسال رابط المقال بالموقع الإلكتروني بجريدة الجزيرة الغراء إلى كل أصدقائه، وهم كثر، يحثهم على قراءته والتفاعل مع موضوعه، وهو ما يعكس قولي بأن حب جدة ليس وقفاً على أهلها. وكنت في سياق تأكيدي على المسؤولية الاجتماعية وضرورة إلزام رجال الأعمال والشركات في جدة بدور فاعل في تحسين أوضاعها، قد طلبت من أمانة محافظة جدة» مصع أذن» رجال المال والأعمال في جدة وإجبارهم على ذلك، فاعتبر الأخ عبدالملك ناصر الطريري أن» مصع الأذن» قليل. وأقول له نأمل أن نحصل على هذا القليل، فقليل دائم خير من لا شيء إطلاقاً. وقال لي الأخ العزيز الدكتور عبدالله صادق دحلان، عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بمحافظة جدة، أن جدة تحتاج إلى اعتمادات مالية كثيرة للخروج من أزمتها ووضعها الحالي، وأن ما خصص لها في الماضي لم يكن كافياً. ما أود الخلوص إليه في مقالي الثاني عن جدة، يخلص في كلمة قالها أخي الدكتور شهاب جمجوم، وهو من أهل جدة، وهو أن علينا أن نوقظ ضمير المسؤولية في المجتمع حتى تسير الأمور في مسارها الصحيح. وأحسب أنه قد أصاب كبد الحقيقة، إذ إن جدة تحتاج إلى ما هو أهم من المال... ولا أزيد.
(*)رئيس (دار الدراسات الاقتصادية) - رئيس تحرير مجلة (عالم الاقتصاد) - الرياض