أطلق محافظ الهيئة العامة للاستثمار، الأستاذ عمرو بن عبد الله الدباغ، خلال افتتاح منتدى التنافسية الدولي في الرياض، مشروعاً طموحاً تحت مسمى X24 X60 7 يُلزم فيه المدن الاقتصادية بتقديم جميع الخدمات الحكومية للمستثمرين والساكنين خلال مدة لا تتجاوز 60 دقيقة على مدار الساعة وخلال جميع أيام الأسبوع.
البرامج الطموحة هي ما تحتاجه المملكة هذه الأيام للخروج من تقليدية العمل التي تكبل التحركات الخلاّقة الهادفة إلى تحسين الخدمات، وتسهيل الإجراءات، والقضاء على البيروقراطية القاتلة.. قبل أن نفرح بإطلاق مثل تلك البرامج الطموحة يُفترض أن نتوقف كثيراً عند الإمكانات البشرية، التقنية، ورغبة الجهات الحكومية في تفعيل برنامج الهيئة العامة للاستثمار.. لا أريد أن أحبط الإخوة في الهيئة العامة للاستثمار، بقدر ما أود أن ألفت نظرهم إلى معضلات حقيقية متغلغلة في بعض الإدارات الحكومية لا يمكن تجاوزها بسهولة، بل من العسير تطبيق البرامج الطموحة دون العمل على إصلاحها أولاً.. قد تركز الهيئة على مدنها الاقتصادية الحديثة، ولكن ماذا عن المدن الصناعية الأخرى؟
ولعلي أستشهد هنا بإحدى المدن الصناعية الاقتصادية الأولى في المملكة، وهي مدينة الجبيل الصناعية، التي تضم أكبر مجمع بتروكيماويات في العالم، وتستحوذ على ما يقرب من 50 في المائة من مجمل الاستثمارات الأجنبية في المملكة، وتحقق 11.5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي، أي ما يعادل 85 في المائة من الصادرات غير النفطية.
لا خلاف على كفاءة التعامل، وسرعة تقديم الخدمات وإنجاز التراخيص في الهيئة الملكية بالجبيل التي تدير مدينتها الصناعية بكفاءة واحترافية ودقة متناهية؛ إلا أن إنهاء الإجراءات ذات العلاقة بالإدارات الحكومية، والخدمية في مدينة الجبيل يشوبها الكثير من التعقيد والتأخير غير المقبول.. بعض التراخيص الرسمية تحتاج إلى أشهر لإنجازها، وربما احتاجت أيضاً إلى العلاقات الخاصة، أو ما في حكمها، لضمان سرعة الإنجاز والخروج من عنق الزجاجة.. أما توفر الخدمات في الجبيل فهو حكاية ليس لها نهاية، وتقصير لم يُجبر بعد، وألم وظلم لا ينتهيان لجميع فئات المجتمع.
أتجاوز قصور الخدمات، وبيروقراطية الإدارات الحكومية، وأستشهد بكتابة عدل الجبيل، التي تُقدم خدماتها لقاطني المدينتين؛ الجبيل الصناعية، والجبيل؛ والتي لا يمكن لأي مواطن، أو مستثمر أجنبي وسعودي تجاوزها، أو الاستغناء عن خدماتها.. في كتابة عدل الجبيل يحتاج المراجع إلى الانتظار أياماً.. وربما أسابيع قبل أن يتمكن من إنجاز نقل ملكية أرض اشتراها بحرّ ماله، أو إنهاء الإجراءات المتعلقة بالشركات، والشركاء الأجانب.. العجز الكبير في عدد كتاب العدل، هذه الأيام بالذات، يفرض على المراجعين الانتظار شهراً.. أو أكثر لتنفيذ عملية «الإفراغ»، أو التوثيق.. نقص عدد كتاب العدل، وتكدس المواعيد، يضر بمصلحة الشركات، قطاعات التنمية، والمواطنين ويُضعف من تنافسية المدينة الصناعية الأولى في المملكة، ويؤثر سلباً في قطاع العقار وحركته التجارية.
الجهات المسؤولة ملزمة بتوفير العدد المناسب من كتاب العدل القادرين على التعامل مع الحركة اليومية للمراجعين دون الحاجة لقوائم الانتظار الطويلة.. كاتب العدل المنتدب لا يمكن أن يقدم الخدمة التي يقدمها كاتب العدل المقيم، وبعض المنتدبين يصبح عدداً في المحكمة، ينتظر عودته، دون أن يُضيف خدمة للمراجعين، ومعونة لزملائه الآخرين.. المحكمة الشرعية تحتاج أيضاً إلى عدد إضافي من القضاة لحل مشكلة البطء في إنجاز القضايا، وإعطاء القضاة الوقت الكافي لنظر كل قضية ودراستها الدراسة المتعمقة المُبرئة للذمة.. أحسب أن أصحاب الفضيلة القضاة يعملون فوق طاقتهم البشرية، بل إن بعضهم يتحمل عدداً من المواعيد اليومية تفوق الحد المقبول.. الأمر لا يقتصر على عدد قضاة وكتاب العدل غير المتناسب مع الحاجة، وما يضمن تحقيق «التنافسية»، بل يتجاوزه إلى مبنى المحكمة المتهالك الذي لا يساعد في تقديم الخدمة الأمثل للمراجعين، ولا يضمن الخصوصية للمراجعين، وبخاصة النساء.. محكمة محافظة الجبيل في حاجة ماسة لمبنى جديد متكامل يُبنى وفق التصاميم الحديثة، ويُراعى فيه المتطلبات الأساسية التي تضمن خصوصية المتقاضين، الرجال والنساء، وتضمن أمن وسلامة القضاة، وتوفير البيئة المناسبة المُساعدة على نظر القضايا، وإنجازها على الوجه الأكمل.. تنافسية المدن الاقتصادية تحتاج إلى توفير مركز الخدمة الشامل الذي يضمن إنجاز التراخيص والخدمات المتعلقة بالإدارات الحكومية في موقع واحد، وفي مدة زمنية قياسية، ويحتاج أيضاً إلى تطوير أداء الإدارات، وتوفير المباني الحكومية المناسبة، وعدد كافٍ من الموظفين، وتسهيل الإجراءات والقضاء على البيروقراطية ومعوقات إنجاز الخدمات والتراخيص، وأخيراً دمج المدينتين المتلاصقتين، وتوحيد المركز الخدمي الشامل للمدينتين تحت إشراف الهيئة الملكية، لتوحيد المتطلبات، الشروط، والمواصفات الخدمية الشاملة، وضمان جودة وكفاءة المخرجات بما يحقق متطلبات التنافسية العالمية.
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM