دخلت أسواق المال العالمية العام 2010 بأسلوب مختلف سينعكس على أدائها بشكل عام، فبعد تبعية مطلقة للسوق الأمريكي وخصوصاً في الهبوط ثم معاودة الارتفاع تبعاً للمحفزات التي أتت بعد قمم العشرين خصوصاً لندن بأبريل من العام الماضي إلا أن نمط الحركة تباين في أواخر العام الماضي وتحديداً بمنطقة الخليج ويعود ذلك لأسباب عديدة فيبرز عامل استقرار أسعار النفط كأولها الذي ولد انكماشاً في ضخ الاستثمارات المحلية باتجاه الأسواق المالية فكون اقتصادياتنا تعتمد عليه كمصدر رئيس بإيرادات الميزانيات وتقوم بتحديد الإنفاق الحكومي بموجبه أوجد حدة التذبذبات بأسعاره حالة من عدم اليقين لمستوى العجز المحتمل بخلاف عدم القدرة على توقع النتائج المالية لأغلب القطاعات في العام الماضي بشكل عام خصوصاً أن هناك قطاعاً يترافق مع النفط وهو البتروكيماويات من حيث حجم التأثير العالمي عليه.
وإذا كانت الأسواق الناشئة تنقصها الكثير من التنظيمات والإصلاحات كأحد العوامل البارزة في محدودية تدفق السيولة وعدم استقرارها فيها لفترات طويلة نظراً لحدة التقلبات والتأثير السريع عليها من أي حدث عالمي فإن عدم ضعف الخيارات الاستثمارية نتيجة لقلة عدد الشركات المدرجة ومحدودية تمثيلها لمجمل قطاعات الاقتصاد بخلاف ضعف القاعدة الإنتاجية فإن هذه العوامل تشكل الأثر الآخر بعدم قدرة أسواق الخليج على مواكبة التأثيرات الإيجابية كما يحدث خارجياً.
إلا أن انعدام الرؤية عموماً خلال الفترة الماضية وكون أغلب التحركات تأتي بأثر من قرارات اقتصادية محلية وعالمية كضخ السيولة الكبير تبعاً لخطط التحفيز واعتماد ميزانيات كبيرة للإنفاق المحلي أعطى أثراً معقولاً على أسواقنا بشكل عام لكن أثر الميزانيات برز بشكل واضح بنهاية العام لترتفع الأسواق بنسب أقل مما حدث عالمياً خصوصاً أن العامل الأبرز الذي ظهر على السطح هو وصول تأثيرات الأزمة لدينا من خلال تعثر مجموعات تجارية سعودية وإماراتية لتحبط معها أي ارتفاعات كانت ستحدث بالأسواق نظراً لانتشار التأثير على القطاع المالي الخليجي بشكل عام فقد خصصت البنوك السعودية قرابة 10 مليارات للعام الماضي نتيجة لمثل هذه المطبات الكبيرة.
وعلى اعتبار أن أسواقنا تقل فيها الشفافية والإفصاح بشكل ساهم بانعكاس سلبي على نفسية المستثمرين والمتعاملين بالأسواق مما أضعف أحجام السيولة المتدفقة للأسواق بخلاف غياب التمويل عن الاستثمار لتكمل مع العامل الثالث ألا وهو حجم الخسائر التي تحققت على المستثمرين مفاصل الوهن الذي أصاب أسواق المال.
ولكن العام 2010 يبدو أكثر واقعية في اتجاهات الأسواق فسوف يكون لكل سوق نمط خاص بحركته يعكس واقعاً اقتصادياً خاصاً لكل دولة، وإذا كانت أسواق الإمارات تعاني من آثار تبعات مجموعة دبي العالمية وما انعكس على أغلب القطاعات المالية والعقارية من أثر سلبي أسهم بتراجع أسواقها بشكل كبير قارب 30 بالمائة بالفترة الأخيرة فإن للسوق الكويتي خصوصية وضع شركات الاستثمار التي تشكل حيزاً كبيراً من حجمه والتي تعاني من خسائر كبيرة يتوقع أن تحدث تغيراً كبيراً في خارطة السوق من حيث عدد الشركات ووضعها وربحية السوق ومستوى السعر العادل لها مما يعني أن هناك إعادة تقييم لقيمة السوق ستبرز بشكل واضح على أدائه للعام الحالي، أما بقية الأسواق فإن التأثيرات تختلف تبعاً للوضع الاقتصادي لكل دولة على حدة بمعنى قدرتها على الاستمرار بالإنفاق وتحسين نمو الاقتصاد.
لكن السوق السعودي يتوقع أن يشكل تميزاً في أدائه نتيجة لقوة الاقتصاد السعودي من خلال احتياطات الحكومة الكبيرة التي تفوق 1.5 تريليون ريال واستمرار أسعار النفط في مستويات تسمح بتحقيق فائض للعام المالي الحالي رغم زيادة الإنفاق إلى 540 مليار ريال بميزانية العام الحالي وقد استطاعت المملكة أن تظهر كإحدى أكبر الدول من حيث ضعف تأثير الأزمة عليها فسياسة الإنفاق المالي مستمرة بالنمو على مشاريع استثمارية مما يعني تنشيطاً للاقتصاد من الداخل وتتمتع بنظام مصرفي قوي برغم كل العوامل السلبية التي طبعت العام الماضي لكنه استطاع أن ينجو منها بفعل سياسات عديدة اتبعتها مؤسسة النقد دعمت القطاع بخلاف الميزانيات الكبيرة التي اعتمدت خلال العام الماضي والحالي.
وقد حقق السوق المالي السعودي نمواً بلغ 27 بالمائة برغم كل الآثار السلبية التي برزت مؤخراً ليدخل العام الحالي مدعوماً بمكررات جيدة تبلغ قرابة 17 مرة لكنها تنخفض إلى ما دون ذلك مع توقع أرباح السوق للفترة القادمة والتي يتوقع أن تنمو بما لا يقل عن 20 بالمائة خصوصا أن المشاريع الحكومية ستطال بتأثيرها مختلف قطاعاته بخلاف قدرة القطاع البتروكيماوي الأهم بالسوق من تجاوز مراحل الأزمة وتحقيقه لأرباح جيدة خصوصاً بالربع الأخير كما أنه لم تسجل أي حالة إفلاس لأي شركة بالسوق وكانت الملاءة المالية ممتازة بشكل عام ولم يتأثر إنفاق الفرد كثيراً مما سمح بتحقيق أرباح جيدة للشركات العاملة بالداخل خصوصا في قطاع الاتصالات والتجزئة والأغذية وغيرها.
إن توقعات الأداء للأسواق ستتركز لهذا العام على خصوصية كل سوق بما فيها العالمية فالتي لم تنه تصحيحها سيكون نمط حركتها بهذا الاتجاه وكذلك الحال للأسواق التي تمثل اقتصاديات قوية كحال السوق السعودي الذي يتوقع أن يتميز بشكل كبير عن بقية الأسواق خصوصا بالمنطقة وهذا لا يعني عدم إغفال كل التحذيرات التي ترى أن الأزمة لم تنته بعد بشكل واضح لكن التحليل الأساسي والإستراتيجي للسوق السعودي سيدعم تماسكه عند مناطق الأسعار التي تعكس مستويات المكررات المقبولة وكذلك مضاعف القيمة الدفترية وسيكون أي تصحيح فيه يأتي بالمقام الأول عند ارتفاع هذه القيم لمستويات مبالغ فيها متمشياً مع نمط الحركة المعتادة لأسواق بشكل أساسي وليس تبعاً للأزمات كما في السابق.