سعادة الأستاذ خالد المالك سلمه الله
رئيس تحرير جريدة الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
اطلعنا على المقالة المنشورة في جريدتكم الغراء بتاريخ 4-2-1431هـ لكاتبها الأستاذ فضل البوعينين، تحت عنوان (هيئة السياحة ومكافحة الفقر)، ولأهمية الموضوع فقد جال في ذهني حال اطلاعي على مقالة الكاتب الكريم عدة تساؤلات ونقاط أحببت التوقف عندها وعرضها على القراء الكرام، لعل أهمها؛ التسليم بأنه وعلى الرغم من الوعي الذي تحقق بأهمية السياحة في المملكة فإن ثمة قصوراً في إدراك ما يمثله قطاع السياحة على مستوى الاقتصاد الوطني، وهو ما أدى إلى اختزاله لدى البعض في الجانب الترفيهي فقط، وذلك ما دفع الكاتب الكريم إلى الدعوة للتفكير في النشاط السياحي والذي يعد عماداً اقتصادياً لكثير من دول العالم، يوفر لها مورداً اقتصادياً مهماً ومجالاً خصباً لتوليد فرص العمل والاستثمار لمواطنيها، وهذا ما دفع الكاتب الكريم إلى أن يبدأ مقالته بالتساؤل: (هل يمكن للهيئة العامة للسياحة والآثار المشاركة في الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر أو أن تحقق نجاحاً في تنمية دخل الفرد، وتحسين مستوى المعيشة من خلال بناء المشروعات السياحية في المناطق الأقل حظوة بمشروعات التنمية، أو تلك التي تشتكي من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمها مشكلة الفقر؟).
وتتطلب الإجابة عن هذا التساؤل العودة إلى ما هدفت إليه الدولة من تأسيس الهيئة العامة للسياحة والآثار عام 1421 هـ، والتي أتت متطابقة في إحدى مرتكزاتها مع ما تساءل عنه الكاتب الكريم، فالهدف المعتمد من قبل الدولة للهيئة ينص على التالي: (الاهتمام بالسياحة في المملكة، وذلك بتنظيمها وتنميتها وترويجها, والعمل على تعزيز دور قطاع السياحة وتذليل عوائق نموه، باعتباره رافداً مهماً من روافد الاقتصاد الوطني، وذلك بما يتوافق مع مكانة المملكة وقيمها، والاهتمام بالآثار والمحافظة عليها وتفعيل مساهمتها في التنمية الثقافية والاقتصادية).
السياحة نشاط اقتصادي أصيل
يعد قطاع السياحة - الذي أوكل للهيئة العامة للسياحة والآثار مهمة النهوض به - نشاط اقتصادي أصيل يسهم بشكل مباشر في الناتج العالمي بنسبة (3.2%)، وبأخذ تأثير هذا القطاع في الأنشطة الأخرى في الاعتبار فإن أثر السياحة يرتفع إلى (9.4%) من الناتج الإجمالي العالمي. إن قطاع السياحة يتميز بكونه قطاع خدمي يقوم على كثافة الموارد البشرية وبالتالي فإن الاستثمار فيه يولد فرص عمل أكثر من حيث الكم والنوع مقارنة بالاستثمار المماثل في أي قطاع آخر، إذ يشكل العاملون بشكل مباشر في هذا القطاع ما نسبته (8.6%) من إجمالي القوى البشرية العاملة عالمياً، وهو ما يجعله يحتل مكانة متقدمة ضمن أكثر ثلاث قطاعات مولدة لفرص العمل حول العالم، إلى جانب الميزة النسبية التي يحتلها هذا القطاع بقدرته على استيعاب شرائح عريضة من الموارد البشرية باختلاف تأهيلها العلمي وتوزعها الجغرافي، وهذا يجيب على تساؤل الكاتب الكريم حول الدور الذي يمكن أن تؤديه الهيئة في الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر في المملكة العربية السعودية وإسهام هذا النشاط في تحسين مستوى المعيشة للأفراد والمجتمعات على امتداد مناطق المملكة، وخصوصاً تلك التي تبتعد عن المحاور الرئيسة للتنمية في المملكة.
والهيئة بهذا المفهوم الشامل إنما هي مؤسسة اقتصادية تشرف على قطاع اقتصادي يمكن أن ينعكس أثره إيجاباً على المجتمع بمختلف فئاته من خلال تحسين مستوى الدخل وهو ما يساهم وبشكل غير مباشر في الحد من انتشار ظاهرة الفقر.
النظر للسياحة كموزع للتنمية على المناطق
وأمام هذه الفرصة الكبيرة لتوظيف هذا القطاع الاقتصادي توظيفاً أمثل، لابد من القول بأن هناك حاجة ماسة في المناطق البعيدة عن محاور التنمية وخصوصاً المناطق الريفية إلى استخدام السياحة كمحور جديد للتنمية، يمكن أن يكون رديفاً ومكملاً للتنمية الزراعية، خصوصاً مع استعداد السكان وترحيبهم بهذا النشاط الذي بدأت بوادر آثاره الاقتصادية تلوح للعيان وتلفت الانتباه لأهميته خصوصاً لدى المجتمعات التي عانت وقتاً من الزمن بالبعد عن مراكز النشاط الاقتصادي، وتبعات ذلك من تفشي الفقر أو الهجرة نحو المناطق الأكثر نمواً، وإلى اكتظاظ السكان بها، وتسرب الكوادر البشرية إلى المدن الرئيسة جراء الافتقار إلى فرص اقتصادية، ينبغي العمل معه على إيجاد مجالات وظيفية مختلفة. وللاستدلال على الدور والأثر الاقتصادي المهم للسياحة في المناطق يمكننا أخذ نشاط سياحي واحد هو الفعاليات السياحية، والتي ضخت العام الماضي وخلال موسم واحد فقط مبلغ (1.2) مليار ريال، وتم بسببها توفير عشرات الآلاف من الوظائف المؤقتة والدائمة والفرص التجارية للسكان المحليين، مما عزّز حضور القطاع السياحي كموظف للأيدي العاملة الوطنية ونموذجاً حقيقياً لما يمكن أن يكون عليه القطاع السياحي إذا ما تم احتضانه من قبل الدولة وتوفير الدعم التنظيمي والمالي له أسوة بالقطاعات والصناعات الأخرى الناشئة التي تم احتضانها في بداياتها، إذ إني - وكما قلت منذ ما يزيد عن أربع سنوات - أؤمن بأن التنمية الاقتصادية لا تقوم على مبادرات القطاع الخاص ما لم يصاحب ذلك المساندة والدعم وتوفير البيئة الملائمة من قبل القطاع الحكومي. وذلك ما أكده معالي وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف في تصريح له نشر عقب إعلان ميزانية الدولة للعام المالي 1431-1432هـ بأن (المملكة مستمرة في الإنفاق الحكومي حتى يتمكن القطاع الخاص من القيام بدوره في التنمية الاقتصادية).
وعودة إلى ربط الكاتب الكريم في مقالته بين الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر وإحدى المبادرات التي أعلنت عنها الهيئة بالتعاون مع إمارة مكة المكرمة لطرح عدة مشروعات سياحية في محافظة الليث على شاطئ البحر الأحمر، والتي تستهدف إيجاد منظومة من المنتجعات السياحية الموجهة لاستقطاب المواطنين، وستسهم بإذن الله في إيجاد آلاف الوظائف لأهالي المحافظة، ليحقق جزأ من أهداف التنمية اقتصادية في المحافظة، ويوفر عدداً من الفرص الاستثمارية الصغيرة والمتوسطة للمواطنين.
إسهام السياحة في الاقتصاد المحلي إلى ازدياد
بلغت نسبة إسهام القطاع السياحي في الناتج المحلي حسب إحصاءات مركز المعلومات والأبحاث السياحية (ماس) التابع للهيئة (2.7%)، وارتفعت القيمة المضافة لهذا القطاع في الناتج المحلي غير النفطي إلى (5.9%)، حيث يوفر هذا القطاع (6.4%) من إجمالي الفرص الوظيفية في القطاع الخاص في المملكة، وهذه الأرقام مرشحة للزيادة بالنظر إلى فرص النمو التي يمكن أن يحققها القطاع السياحي في جميع مناطق المملكة وفق المقومات السياحية الكبرى التي تنتشر على امتداد مناطق المملكة المختلفة، والتي تعتمد على سوق مستقر هو السوق المحلي الذي يمثل المحور الأساس لجميع أنشطة السياحة في المملكة، إلى جانب الآثار الاقتصادية في الحد من تدفق النقد إلى خارج المملكة باستمرار التفريط في فرصة استبقاء المزيد من المواطنين جزءاً من إجازاتهم للسياحة في مناطق المملكة إذا ما توفرت مستويات من الخدمة التي ينشدونها في الوجهات التي يفضلون قضاء إجازاتهم فيها.
وأخيراً، وبنظرة سريعة لما يمكن أن يؤديه نمو السياحة في مناطق المملكة من أثر اقتصادي كبير يمكننا استنتاج عدد من المبادرات المتعلقة بتنمية القرى والبلدات التراثية التي تبنتها الهيئة في مناطق عدة من المملكة، لتكون هذه القرى والبلدات محاور تنمية اقتصادية، وأوعية لنشوء حراك اقتصادي، ينتج عنه فرصاً وظيفية حقيقية لأبناء تلك المناطق على اختلاف مستوياتهم السنية والتعليمية، وما يحققه كذلك من تنمية للسياحة الريفية والزراعية، أو من خلال تفعيل نشاط سياحة الأعمال والمؤتمرات أو سياحة الاستشفاء والاستجمام التي تبحث عن مناطق أكثر هدوءاً وبعداً عن صخب المدن. إن القاسم المشترك بين هذه الأنماط هو توفير المزيد من الفرص الوظيفية للمواطنين وللأسر المنتجة، ونؤمل أن يساعد ذلك أيضاً على رسم خارطة لتوزيع الأنشطة الاقتصادية وتوطينها في مناطق المملكة جميعها. ومما سبق ذكره يتضح أن ما قاله الكاتب الكريم في مقالته قد تحقق، فالخطط الشاملة للهيئة العامة للسياحة والآثار تتعدى في الغالب الأهداف السياحية إلى أهداف أخرى أكثر شمولية وعطاء وذلك شريطة أن يشارك الجميع في هذه النظرة، وأن تحقق ما اختتم بت الكاتب الكريم مقالته بأن (الدور التنموي الكبير الذي تقوم به الهيئة العامة للسياحة والآثار في حاجة إلى دعم الوزارات والإدارات الحكومية، وإزالة جميع المعوقات التي تعترض خططها الطموحة، إضافة إلى توفير الميزانيات الكافية لتحقيق التغيير المنشود).
شاكرين لصحيفة الجزيرة والكاتب الكريم تناول هذا الموضوع المهم..
الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز
رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار