المناخ في أدبيات البادية هي حرب فاصلة وما حصل في مدينة كوبنهاجن الأسبوع الماضي كانت حرباً غير فاصلة بين الدول الصناعية والدول النامية الكبرى والسبب معروف وهو أن الدول الصناعية وهي أكبر ملوث للبيئة وساهمت في الأخطار الكبرى التي تهدد العالم وتزيد من حرارة الأرض (الاحتباس الحراري) لا تريد أن تخفض من الانبعاثات الغازية من صناعتها ونشاطاتها الاقتصادية خشية تأثير ذلك على شعوبها ومستوى معيشة أفرادها وتريد بدلاً من ذلك أن يتم خفض الانبعاث من دول أخرى لم تساهم حتى الآن بنسب كبيرة في الاحتباس والتلوث وتضع قيوداً متساوية بينها وبين تلك الدول وكأن الدول الأخرى خصوصا النامية هي من المساهمين في التلوث بينما هذه الدول هي متضررة والدول النامية الكبيرة لا تريد أن تحد من الانبعاث بصورة لا يتحملها اقتصادها وتريد من الدول الصناعية خفض أو المساعدة على خفض الانبعاث بنسب عادلة ولذلك فإن اتفاق كوبنهاجن كان لحفظ ماء الوجه فقط والاتفاق الذي تمخض عنه ليس ملزماً وتم إصدار بيان وليس اتفاقاً باستعمال إجراءات بيروقراطية سمحت بإصدار هذا الإعلان الذي كما وصفه وزير الخارجية الصيني حينا أشار إلى اجتماع وليس إلى اتفاق حين قال إن المحادثات أنتجت اعترافاً بالمبدأ القائل إن علينا واجبات مشتركة ولكنها مختلفة أي أن الجميع سيسعى للحد من الانبعاث ولكن الدول الصناعية إلزامياً بينما الدول النامية اختيارياً وذلك للاعتراف باختلاف الظروف الاقتصادية بين الدول الصناعية الغنية والدول النامية.
كما أشار وزير الخارجية الصيني وهي ضمن الدول التي ساهمت في صياغة البيان مع الولايات المتحدة، البرازيل، الهند، جنوب إفريقيا، والاتحاد الأوروبي إلى أنه تم الاعتراف بالمواضيع والأهداف طويلة الأمد للعالم وهي التمويل، والمساعدة التقنية للدول النامية والشفافية.
ولكن هذا الاتفاق الذي تم تقريره بين هذه الدول تعرض لمعارضة شديدة من الدول النامية حينما تم عرضه على الاجتماع الكامل للدول 194 الممثلة في اجتماع مؤتمر الأمم المتحدة الإطاري الخاص بالتغير المناخي (UNFCCC) حيث رأت الدول النامية أن هذا الاتفاق بين هذه المجموعة من الدول هي محاولة من الباب الخلفي وتخالف ديمقراطية الأمم المتحدة وتجاهلت الفقراء وستؤدي بالعالم إلى تغير مناخي مدمر.
ومع أن الاتفاق العام هو أن يخفض الارتفاع في درجات الحرارة إلى 2 درجة إلا أنه لم يحدد كيف يتم ذلك أو الحد من الانبعاث عندما يصل إلى حد معين أو سنة محددة ومع معارضة الدول النامية لاتفاق كوبنهاجن إلا أنها رحبت بالتزام الدول الصناعية الغنية بمساعدات محددة مثل مبلغ 30 بليون دولار لعام 2010-2-2012 وهدف جمع 100 بليون دولار للدول النامية عام 2020م.
وفي قمة المناخ هذه والتي عقدت في مناخ إنساني جميل وهدف نبيل لحماية الأرض والبشرية وبحضور أكبر عدد من رؤساء الدول (139) يجمعهم مؤتمر واحد لم نسمع ولله الحمد كثيراً من أصوات النشاز التي كانت ترددها أوبك في كل اجتماع خوفاً من تأثير أي حد من الانبعاث على إنتاجها ودخلها وهو خوف غير واقعي بتاتاً ولا تؤكده التقارير العلمية أو التجارب العملية المباشرة، حيث إن الحد من الانبعاث الذي قد يسبب تأثيراً على استهلاك النفط سوف يكون كبيراً ولن تقبل به الدول الصناعية ولا النامية لأنه سيكون مدمراً لاقتصادها ووقوف الأوبك دائماً ضد أي إجراءات للحد من الانبعاث ووضع نفسها ضد الأهداف العالمية الإنسانية جعلها محط التندر والكره أما أكبر مدعاة للتندر والاستغراب هي مطالبة أوبك للدول الصناعية بتعويضات مالية لدول الأوبك كما يتم تعويض الدول الفقيرة!!! ومحاولاتها تفسير التعويض للمتضررين أنه يشملها إذا فقدت جزءاً من دخلها كنتيجة للحد من الانبعاث وهو مطلب مستحيل كما تعرفه أوبك قبل غيرها وهو مزاحمة للدول الفقيرة كما يراه العالم والأحرى بدول الأوبك أن تسعى إلى تمويل وتشجيع التقنيات التي تجعل نفطها غير مضر للبيئة ونظيفاً من الملوثات وبعض هذه التقنيات موجودة الآن وفي طريقها للتطوير والاستعمال مثل تقنيات امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الصناعات أو من الأجواء وهو ما يسمى (CCS) بدلاً الوقوف في وجه العالم في رفض خف الانبعاثات الضارة للإنسان أو التشكيك في الدراسات العلمية وارتفاع حرارة الأرض وهو حال يعايشها الإنسان أو الأدهى من ذلك المطالبة بالتعويضات المالية من الدول الصناعية التي ليس لديها مودة لدول الأوبك وتتهمها مراراً وتكراراً برفع الأسعار عشوائياً وتهدد بالقوانين مثل قانون (NOPEC) الأمريكي لمحاكمة مسؤوليها هذه الدول لن تدفع شيئا ومطالبات أوبك في هذا المجال هي مدعاة لتأليب العالم ضدها ولن تحصل على شيء سوى الاستهجان والسخرية وربما إصدار قوانين ضدها تؤيدها دول كثيرة.
وإن من حسن الطالع أن ممثل المملكة في هذا المؤتمر كان معالي وزير البترول المهندس علي النعيمي وهو رجل عالم وعاقل ومن أفضل من عاصرتهم في مثل هذه المؤتمرات لا يتحدث إلا عن علم ولا يستعدي في حديثه أحداً ولذا آمل من معاليه إسكات هذه الأصوات النشاز التي نسمعها في مؤتمرات واجتماعات البيئة ولنتحدث للعالم بصوت العلم والعقل أما الحد من الانبعاث فإن الدول الصناعية كما ظهر في هذا المؤتمر وغيره هي أحرص من أوبك على عدم الحد منه لأن ذلك يأتي في مصلحة صناعاتها واقتصادها ومستوى معيشتها وهي تعرف كيف تحافظ عليه وأي خفض في استهلاكها للنفط لن يساوي الزيادة السنوية في الطلب على نفط الأوبك جراء النمو الاقتصادي أو نتيجة لخروج دول نفطية كثيرة وكبيرة مستقبلاً من السوق كما نرى حالياً أن الإنتاج من دول الأوبك والتصدير يزداد بينما الإنتاج من خارج دول الأوبك ينخفض من 50 مليون برميل يومياً إلى 48 مليون برميل خلال سنتين فقط ناهيك عن الزيادة في الطلب العالمي كذلك أن الحد من الطلب على النفط هو في المقام الأول لمصلحة من يملكون مخزوناً كبير مثل المملكة ويطيل أمد وعمر تلك المخزونات لتفيد أجيالاً بعد أجيال وتساعد في تنويع وتطوير الاقتصاد السعودي إن شاء الله لسنوات وعقود عديدة.