الضحك أمر أساس في حياة الإنسان، ولكل شعب طرائقه ووسائله في استخدام المؤثرات وتوظيف البواعث؛ من أجل أن يضحك ويُضحك. والنكتة الخفيفة القصيرة هي المفتاح، وهي الباب في الوقت ذاته. وقد كشفت أيام هذا الشهر المجاني تجذر النكتة السعودية وتجددها وخصوصيتها؛ فهي في غالبيتها تركز وبشكل مباشر على الجنس، والباقي يتوزع على الواقع السياسي والشأن الاجتماعي وكذا الثقافي والاقتصادي بنسب متقاربة ومتدنية، وفي هذا مؤشر واضح على الإعراض عن الشأن السياسي سواء الداخلي أو الخارجي خلاف كثير من الشعوب الذين تركز نُكتهم الشعبية على رموزهم وقضاياهم السياسية وعلاقاتهم الخارجية، كما أن ارتفاع نسبة النكت الجنسية يدل على أن لدينا تأزماً في هذا الموضوع بالذات، ومع أن جُلّ هذه النكت الجنسية قد تجاوز الخطوط الحمراء ديناً وعرفاً وقيماً مجتمعية إلا أننا لا نكترث أبداً حين تداولها وإرسالها بل وربما نسجها وإبداعها، ووصلت جُلّ هذه النكت المتداولة إلى صغار السن الذكور والإناث بلا رقيب بل ربما كأنا نقولها بحضورهم من أجل أن يشاركونا الضحك. من جهة أخرى هناك كثير من النكت تبدأ (كان فيه محشش...)، ومع أن الغالبية قد صورت هذا الشخص الذي وصف بهذا الوصف بصورة سيئة إلى أن هناك عدداً لا يستهان به جاءت فيها صورة هذا الرجل صورة إيجابية سواء بشكل مباشر أو رمزي؛ الأمر الذي يرتسم في ذهنية المتلقي - خاصة الصغار منا الذين ما زالوا في طور التكوين - أن مثل هذه الأفكار والعبارات لا تصدر إلا من (محشش) حين يتعاطى المخدر!!. والأخطر في رسائل الجوال محل التحليل أن هناك لوناً من الرسائل المناطقية والقبلية تسقط صفات سلبية على منطقة ما أو قبيلة معروفة، وتعطي للمتلقي أن الصفة الأساس لأهل هذه المدينة أو تلك أنهم مثلاً بخلاء أو محدودو التفكير أو فيهم عجلة وتسرع أو أنهم لا يفهمون الحياة جيداً؛ فهم ما زالوا على بداوتهم وتصرفاتهم في شارع الحياة خارج سياق الذوق العام أو... وتكرار مثل هذا النوع من الرسائل وكثرة تداوله تولد ويقويان القناعة لدى المتلقي بمصداقية ما كان أصله مجرد ضحك، ويبدأ يسقط هذا الوصف على كل من يعرف من هذه المنطقة أو القبيلة، ويحاول أن يستجلب المواقف التي مرت به مع الغير من أبناء هذه القبلية أو أهل هذه المنطقة ليؤكد ما صار لديه من قاعدة ذهبية لا تقبل الشك، وهذا أمر خطير لدى البعض، وقد يثير النعرات ويؤجج الأحقاد في النفوس، بل لك أن تتصور لو أن طالباً صغيراً سمع في قاعة الدراسة من أحد الطلاب أو حتى من معلمه نكتة بدأها قائلها بقوله (فيه...)، وكانت فعلاً ذات بُعد دلالي سيئ، وعرف بقية الصغار أن هذا الطفل من هذه المدينة أو القبيلة، كم لهذه النكتة العابرة من تأثير سلبي وانعكاس نفسي سيئ عند هذا الصغير؟. حملت بعض الرسائل كذلك عبارات رومانسية عالية الجودة، وربما بعثها زميل لزميله المراهق الذي ما زال في مقاعد المرحلة المتوسطة أو حتى الثانوية، وهذا يومئ إما إلى عدم إدراك مدلولاتها أو تقبلها والقناعة بها على غير وجهها الذي يجب أن تكون فيه، كما أن هناك تجاوزات ومخالفات شرعية روجت وسارت بين الناس، مع أن هناك من أفتى بخطأ مثل هذه التوجهات. عموماً أعتقد لو أن باحثاً متخصصاً في علم الاجتماع عكف على هذا السيل من الرسائل وتفرغ للدراسة والتقويم بعد نهاية الشهر المجاني لخلص إلى بحث قيّم بعنوان (الشخصية السعودية من خلال النكتة الشعبية). وإلى لقاء، والسلام.