كنت أظن - وبعض الظن إثم - أنني محيط ملم بكل شؤون وشجون العقار، مستنداً في خداعي لنفسي بتلك المعرفة على خلفيتي العلمية، فقد درست في الجامعة الهندسة المعمارية.. وعملت بعد التخرج ثمانية أعوام في أكبر مشاريع الإسكان في المملكة، ثم تفرغت بعد ذلك للعمل في القطاع الخاص في مجالات الإعلام والتسويق الذي قمت من خلاله بخدمة أكبر الشركات العقارية والجهات الحكومية ذات العلاقة بالعقار والتطوير والخدمات العقارية، وأستطيع أن أدعي أنني خلال العشرين عاماً الماضية خدمت إعلانياً وإعلامياً وتسويقياً كبار العقاريين في المملكة.. وجالستهم وفهمت منهم تفاصيل همومهم وشجونهم العقارية، كما رأست تحرير مجلة عقارية متخصصة صدر منها (24) عدداً في سنتين، أي أنني مارست وعرفت العقار والتطوير العقاري من النواحي التصميمية والإشرافية والإعلامية والتسويقية والفكرية، لكنني لم أمارسه كمقاول أو كتاجر أو حتى وسيط ينوبه السعي، المهم أنه بعد تلك السنين والتجارب اكتشفت أنني لا أعرف من العقار إلا سطحه.. ولا أعلم عن العقار إلا ما قيل لي وما قرأت، والبشر للأسف لا يعرضون ولا يصرحون إلا بالنصف الذي يناسبهم ويصلح لهم.. وإليكم قصتي:
وجدت في نفسي حاجة إلى ترميم منزلي، وإعادة تشكيل بعض أجزائه، مما يستدعي خروجي منه والسكن مؤقتاً في منزل آخر حتى إكمال أعمال الترميم، وهنا بدأت أكتشف حقيقة جهلي في هذا المجال، وأن كل تلك السنين من التجارب والمعارف لم تكن إلا النصف الظاهر من القمر، أما النصف المستتر فلا يراه ولا يعرفه إلا الراسخون في العلم المكتسب بالتجربة والممارسة لا بالتلقي والتلقين.
لم يكن شح المعروض من الوحدات السكنية مفاجئاً لي فقد كنت أعرف أننا أمام أزمة إسكان شديدة.. حذّر منها قبل أعوام رئيس الغرفة التجارية الصناعية بالرياض الشيخ عبد الرحمن الجريسي، ونحن الآن نعيش هذه الأزمة ويزداد تأثيرها سوءاً على المجتمع.
بعد جهد وجدت الفيلا المناسبة حجماً وموقعاً وإيجاراً، لكن المفاجأة كانت في مستوى البناء ومواصفاته، لقد كان من الواضح أن العقاري الذي بنى ذلك المجمع من الفلل لا يخلو من أحد أمرين: إما أنه لا يخاف الله فبخس حق المبنى في مواصفات البناء، أو أنه جاهل مثلي فانخدع، فمثلاً: الدائرة الكهربائية فوضوية التوزيع، وأبسط مواصفات السلامة كالتأريض مثلاً غير موجودة، وهذه المشكلة تم اكتشافها وعملنا على حلها فوراً، ثم تتالت المشاكل نتيجة سوء المصنعية وبخس المواصفات في أعمال السباكة وعزل الماء، أما عزل الحرارة فهذه رفاهية تُعمل للقصور فقط كما قيل لي، ولم يمض الشهر الأول حتى اكتشفت أنه قد تم تركيب أرخص وأردأ أنواع سخانات الماء.. وأرخص وأردأ التجهيزات الصحية والكهربائية.. أما باب مدخل السيارة فقد تعطَّل تماماً.. ولا أمل في إصلاحه بل يجب استبداله. وبعدما تفتحت عيوني على هذا الوجه الجديد للعقار.. سمعت أن بعض عقاريي الإسكان لا يبخسون في مواصفات الكهرباء والسباكة والعزل فقط، بل إن الأمر تجاوز ذلك إلى العبث والتلاعب في مواصفات الحديد والأسمنت.
الخلاصة تتمثَّل في سؤال ساخن: من يحمي المواطن من الغش في مواد ومواصفات البناء؟