اتسم السلوك الجمعي في مجتمعنا بالجدية، على أنها وجه للوقار، ولأن الوقار من خصال العقلاء، والناس تأبى أن تكون من فئة المجانين، لذا كلما ظهر بين ثلة من المجتمعين الجالسين أو الواقفين ذو دعابة وَسَمُوْهُ بالمجنون تحديداً حين ينفرط ضاحكاً، أو ساخراً من دعابة أو موقف يستلهم ضحكه, وسخريته..، لذا صمت المجانين في زمن لا أحسب أن مفرزاته لا تدعو للجنون ضحكاً ودعابة وسخرية وأسفاً..
غير أن المجانين على هذا السمت قد تكاثروا حتى تأخر مفهوم الدعابة عن الإفادة والتنبيه، والإيقاظ اللطيف، إلى الدرك الأدنى من التفريط في عبارات التهذيب والتخلُّق، والتأدب.., بل فحشت الدعابات وتحوَّل مفهوم الجنون، من وجه لآخر، فالمجتمع الوقور، ذو السمات الجادة تبطنت جديته بتحلل سافر، ولحق بدعابته تهتُّك ظاهر، وما كان غير لائق أصبح أمراً مقبولاً، وأتيحت القهقهات للصغار كما هي للكبار، وظلت هالة الأدب تهيمن على ظاهر السلوك..
لا أدري كيف نقنن بين المصطلحات فنصفق لضحكة مجنون عاقل، ونصيخ عن مجنون جاهل؟..