هذا عنوان لكتاب يحمل بين صفحاته سطوراً من الوفاء وهذا غير مستغرب عن زميلنا وأستاذنا خالد المالك «أبو بشار»، فهو في هذا الكتاب يضع مشاعره تجاه من رحلوا عن هذه الدنيا، وفي الوقت الذي كان بين يديّ «عيناي تدمعان» دمعت عيناي، لا.. بل بكيت وسأظل أبكي عندما وصلني خبر الفجيعة في رحيل المهندس إبراهيم بن عبدالعزيز العيسى، زوج شقيقتي حنان وأبو عبدالعزيز، ومشاعل، والعنود، والجازي، وأضواء والجوهرة. وشمعة منزلهم، وضياء حياتهم، في خبر رحيل هذا الرجل ذقت طعم الفجيعة، ما معنى أن تستيقظ في يوم جديد من حياتك فتجد أحد أحبائك قد انتقل إلى حياة أخرى غير الحياة التي تعيش فيها؟.. رحل وبقي مكانه في أرواحنا شاغراً فلا أحد يستطيع أن يملأ هذا المكان.
من الصعب جداً أن ترى أقرب الناس وهم يتألمون في فقد نور بيتهم، وهم يتأوهون شوقاً إلى صوته، إلى وجهه، يتلفتون يبحثون عن ضحكته وهو يداعب بناته ويمازحهم تارة بروح الأب وتارة بروح الأخ وتارة أخرى بروح الابن، وكما جاء في الأثر عن رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- أن من له ابنتين فيحسن تربيتهما إلا وأدخلتاه الجنة، وإن كان عنده ثلاث بنات يزداد الأجر، كما ثبت عن حسن وابن ماجة، وهذا الحديث النبوي الشريف جاء من أجل أن يبث الحماسة في نفوس الآباء للعطف على بناتهم. أبو عبدالعزيز جاءته هدية الرحمن خمس من البنات -ما شاء الله- لم تمتد يده في حياته على واحدة منهن، وكان يفرح بالبنات وفي كل مرة تحمل فيها زوجته كان يتمنى بنتاً، كان يتذوق حلاوتهن ويستمتع برحيقهن في بيته، واستطاع وهو الذي لم ترتفع يده ولم يعلُ صوته عليهن أن يحسن تربيتهن، بل إنهن ولله الحمد قد تربين تربية تُضرب بها الأمثال في المجالس، لذا يا أبا عبدالعزيز لا تقلق، فقد أنجبت الأخيار، أنجبت رجلاً تعلم منك الحب والعطاء، تعلم منك معنى العطف ومعنى الرحمة، رجلاً لا تخاف النساء معه من جور الأيام ولا من غدر الزمان، فقد أنجبت رجلاً لكل المواقف.
لم يتبقَ بعد رحيلك إلا الحزن، ومن حقنا أن نحزن، فمثلك يفتقده الرجال، وتفتقده النساء، وتفتقده الأم، والزوجة، والبنات، مثلك يحزن عليه الناس طوال حياتهم، وعزاؤهم فيك محبة البعيد قبل القريب لك، لأن الله سبحانه وتعالى إذا أحب عبداً حبب فيه خلقه.
هنا، سأظل أتصفح واقرأ «عيناي تدمعان» ففي هذا الكتاب تنطلق المشاعر صادقة على أناس الحزن على رحيلهم يظل ملازماً لمن يحبهم مدى الحياة، مكتوب بحبر الفقد والفجيعة والوفاء، كتاب يظل يذكرنا بمن عبروا من طريق هذه الدنيا وغادروها وبقيت أعمالهم تضخ بأرواحهم الطاهرة في هذا الكون من حولنا، وكما كتب ناشر الكتاب على غلافه: «إذا كان الشاعر العربي قد شبه الموت (بنقّاد الجواهر) الذي يصطفي الأجود فيها فإنه عبر عن هذا الشعور الصعب بالرحيل المر، فالجميع (جواهر) ثمينة لدى من رُزق بهم، والموت هو الحقيقة الحتمية الوحيدة في دار الفناء»، نعم، هكذا هي عادة الموت تنتقي الأنقياء الذين يمرون علينا ويرحلون كالنسمة الخفيفة الباردة، وهكذا كان رحيل أبي عبدالعزيز في نفسي ونفس كل محبيه (جوهرة) ذهبت إلى بارئها، فلك منا الدعاء بأن يكون قبرك روضة من رياض الجنة، رحمك الله يا فقيد القلوب.
www.salmogren.net