يقول الله في كتابه الكريم(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير) (سورة الحجرات: 13).
ويقول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: (أيها الناس إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا). لقد جاءت رسالة الإسلام لترسي حقوق الإنسان، وترفع الظلم، وتنشر العدل والمساواة، وحقوق الإنسان في الإسلام موضوع كتبت فيه الكتب والبحوث والدراسات، ونشير هنا إلى أبرز مواد حقوق الإنسان في الإسلام التي تكفل للإنسان العيش الكريم:
1 - العمل على حفظ كرامة الإنسان عملاً بنص القرآن الكريم الذي جاء فيه (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (سورة الإسراء 70).
2 - عدم التمييز في الكرامة وفي الحقوق الأساسية ما بين إنسان وآخر بسبب العرق والجنس أو النسب أو المال عملاً بما جاء في القرآن الكريم: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)(سورة الحجرات: 13) وعملاً بقول رسول الإسلام (لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى) وقوله أيضا عليه السلام: (النساء شقائق الرجال).
3 - المناداة بوحدة الأسرة الإنسانية والإعلان بأن خير بني الإنسان عند الله هو أكثرهم نفعاً لهذه الأسرة عملاً بقول رسول السلام: (الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله).
4 - الدعوة إلى التعاون بين الشعوب على ما فيه الخير وتقديم جميع أنواع البر إلى جميع بني الإنسان دون النظر إلى جنسيتهم أو دينهم عملاً بما جاء في القرآن الكريم: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (سورة المائدة:2).
5 - حرية الإنسان في عقيدته وعدم جواز ممارسة الإكراه فيها عملاً بما جاء في القرآن الكريم: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (سورة البقرة 256)، وعملا بقوله تعالى أيضا: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ) (سورة يونس 99).
6 - حرمة العدوان على مال الإنسان وعلى دمه وعرضه وعقله ونسله.
7 - حصانة البيوت لحماية ساكنيها عملا بما جاء في القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (سورة النور: 27).
8 - التكافل فيها بين أبناء المجتمع في حق كل إنسان بالحياة الكريمة، والتحرر من الحاجة والفقر، بفرض حق معلوم في أموال القادرين ليصرف لذوي الحاجة على اختلاف حاجاتهم عملا بما جاء في القرآن الكريم: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (سورة المعارج 42-25).
9 - حفظ حقوق غير المسلمين الذين يعيشون في المجتمعات الإسلامية، بما في ذلك أرواحهم، وأموالهم، وأهليهم، ومعتقداتهم، وحقهم في التحاكم إلى أنظمتهم وقوانينهم.
10 - حفظ حقوق المرأة وأنها مساوية للرجل في التكليف، والتفريق بين الجنسين فيما تقتضيه وظائف كل منهما في الحياة، وبما يختص به كل منهما من خصائص نفسية وبيولوجية.
ورغم أن الإسلام هو الذي كان يحكم حياة الناس قبل توحيدها على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله، فإن الجهل والفقر والتفرق والخوف، وشح الموارد عوامل جعلت مقومات العيش الكريم شبه معدومة، فالأمن كان غائباً، والغارات والغزو والسلب والنهب كانت سائدة بين القبائل، ويمكن للشخص أن يفقد روحه وماله في أي وقت، وفي تلك الأجواء كان كل فرد في المجتمع يقضي وقته خائفاً يترقب الانقضاض على نفسه وماله وأهله في أي وقت، وإذا سلم من أخيه الإنسان لم يسلم من عواد الجوع والمرض والفقر التي كانت تفتك بالناس زرافات ووحدانا، وفي تلك الأوضاع القاسية، والمهينة للإنسان ظهر الملك عبدالعزيز ووحد البلاد، ونشر الله على يده الأمن وفتح الله على يديه كنوز الأرض، وأصبح الإنسان لا يخاف على نفسه ولا على ماله، ورزق الله الناس بأرزاق تأتي من مشارق الأرض ومغاربها، وأصبحت البلاد جاذبة للسكان والعمالة لأول مرة في تاريخها بعد الفتح الإسلامي، وتوفرت للمواطن والمقيم معظم عوامل العيش الكريم.
وكانت المملكة العربية السعودية ولا تزال من أقرب الدول إلى تطبيق الإسلام في الحياة العامة والخاصة، ومن أكثر الدول استلهاماً وتطبيقاً لتعاليم الإسلام وشريعته الغراء، فقد نصت المادة السابعة من نظام الحكم على أن الحكم (يستمد سلطته في المملكة العربية السعودية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة)، وبالرجوع إلى هذين المصدرين الخالدين للتشريع في الإسلام نجد أنهما - كما رأينا سابقاً- كفلا للإنسان العيش الكريم، والحياة المستقرة، ومن ذلك أن القرآن قرر أن أصل البشر واحد، وقرر الرسول صلى الله عليه وسلم في مواقف كثير محاربته للعنصرية، والتفريق بين الناس بسبب ألوانهم أو صورهم، وأنه لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، وبهذا أسس الإسلام قاعدة من أهم إن لم تكن أهم قواعد العيش الكريم، وهي المساواة بين البشر بغض النظر عن ألوانهم وصورهم وأعراقهم.
وقد طبق الرسول هذه القاعدة عندما أنشأ مجتمعاً نبيلاً في المدينة المنورة فيه ممثلون من جميع الأعراق والألوان، فبلال مؤذن الرسول ومن أحب الناس إليه كان يمثل إفريقيا، وسلمان الفارسي الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم (سلمان منّا آل البيت) يمثل آسيا، وصهيب الرومي يمثل أوروبا، ولا تزال هذه القاعدة القائمة على المؤاخاة بين الألوان والأعراق مطبقة في المملكة العربية السعودية التي يستمد الحكم فيها سلطته من القرآن الكريم، والسنة المطهرة، فقد وصل أبناء الأعراق المختلفة إلى أعلى المناصب في البلاد، وتقلدوا مناصب وزارية ووكلاء وزارات، وسفراء ومدراء عامين، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة.
ولم يكتف نظام الحكم بتقرير هذه المادة وإنما أضاف إليها التأكيد على أن المجتمع السعودي يقوم على تعاليم الإسلام التي تضمن العيش الكريم لأفراد المجتمع ومن يعيش بينهم، فقد جاء في المادة الحادية عشرة من نظام الحكم (يقوم المجتمع السعودي على أساس من اعتصام أفراده بحبل الله وتعاونهم على البر والتقوى والتكافل فيما بينهم وعدم تفرقهم). فالاعتصام بحبل الله والتعاون على البر والتقوى والتكافل فيما بينهم وعدم تفرقهم كلها عناصر تساعد على توفر وضمان العيش الكريم، وقد عززت ذلك بالحرص على الوحدة الوطنية التي في ضمانها ضمان للعيش بكرامة وهذا ما نصت عليه المادة الثانية عشرة من نظام الحكم (تعزيز الوحدة الوطنية واجب وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام).
وبما أن السلطة في الحكم السعودي تقوم على تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وأن المجتمع يقوم على تعاليم الإسلام وقيمه فإن الآلية لتأكيد ذلك وغرسه في نفوس الناس تتمثل في نظام التعليم وقد نصت المادة الثالثة عشرة من نظام الحكم على الآتي: (يهدف التعليم إلى غرس العقيدة الإسلامية في نفوس النشء وإكسابهم المعارف والمهارات وتهيئتهم ليكونوا أعضاء نافعين في بناء مجتمعهم، محبين لوطنهم معتزين بتاريخه). وبالإضافة إلى غرس قيم الإسلام وتعاليمه في نفوس الناشئة، فإن الدولة لم تنس واجبها في حماية العقيدة، وفي تطبيق الشريعة وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي الدعوة حيث جاء في المادة الثالثة والعشرين (تحمي الدولة عقيدة الإسلام.. وتطبق شريعته وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقوم بواجب الدعوة إلى الله).
وتفيد الدراسات أن جميع مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تم إعلانه في عام 1948م متفقة مع الشريعة الإسلامية فيما عدا المادة السادسة عشرة التي تنص على حق الزواج دون قيد أو شرط، ففي الإسلام لا يجوز للمرأة المسلمة الزواج من رجل غير مسلم، والمادة الثامنة عشرة التي تقر بأن لكل شخص الحق في تغيير دينه وهذا يعتبر في الإسلام ردة لا يجوز الإقدام عليها.
ومن القواعد التي قررها الإسلام لحفظ كرامة الإنسان ما عرف في الشريعة الإسلامية بالمحافظة على الضرورات الخمس، وفي حفظها ضمان للعيش الكريم والحياة الكريمة، وهي النفس، والمال، والعقل، والعرض، والنسل، ومن أجل ذلك حرم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وجعل في القصاص حياة لأولى الألباب، وحرم السرقة وأخذ أموال الناس بالباطل مثل الاغتصاب، والتدليس، والابتزاز، والنهب والسلب والاختلاس من المال العام أو الخاص ونحوها، وحرم كل ما يذهب العقل من مسكرات ومخدرات، لأن الحقوق كثيراً ما تنتهك، والأرواح كثيراً ما تزهق في حالة غياب العقل، وحرم الإسلام الغيبة والنميمة، وانتهاك الأعراض بصوره المختلفة، وحرم الزنا للمحافظة على النسل، ومنع اختلاط الأنساب، والمملكة العربية السعودية حريصة في أنظمتها وقوانينها وتطبيقاتها المستمدة من الشريعة الإسلامية على الحفاظ على تلك الضرورات الخمس، فالعقوبات التي فرضها الله، والحدود التي شرعها الله على الجرائم التي تهدد تلك الضرورات الخمس مطبقة بحمد الله وتوفيقه.
أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام، رئيس الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية
zahrani111@yahoo.com