انتهى الاجتماع المرتقب بين محافظ مؤسسة النقد ورجال الأعمال الذي عقد بمقر الغرفة التجارية بالرياض قبل يومين دون التوصل لحلول واضحة لقضية الائتمان. وبحسب ما تم نشره ونقله عن هذا اللقاء، فإن المحافظ ركز على شرح مفصَّل أوضح فيه الواقع السليم للنظام المصرفي وكيف تم التحوط ضد المخاطر مما ساهم بخروج اقتصاد المملكة من الأزمة بأقل الخسائر والقدرة على استيعاب التداعيات.
ولعل هذا الأمر أصبح مثار إعجاب العديد من دول العالم ويحسب للمملكة وسينعكس بإيجابيات كبيرة في المستقبل، لكن أهداف رجال الأعمال لم تلبَ في هذا الاجتماع، فهم يطمحون لانفراج أزمة الائتمان عبر كل السبل الممكنة، لكن المحافظ أظهر بالأرقام حجم الائتمان المقدم من البنوك للقطاع الخاص والذي فاق 730 مليار ريال، مفنداً بذلك كل ما يدعى عن سلبية البنوك تجاه دورها في التنمية الاقتصادية من خلال معلومات مفصلة ليس أقلها تقديم 156 مليار ريال لقطاع المقاولات، بل إن نمو الإقراض للقطاع الخاص بلغ 19 بالمائة بما يفوق حجم النمو الذي يشارك به القطاع بالناتج الوطني بحوالي خمسة أضعاف.
إلا أن أبرز ما خلص له اللقاء أنه لم يضع حلولاً على الطاولة لمناقشتها والخروج بتصورات قد تعطي مخارج مستقبلاً لمعضلة الائتمان بشكل عام، فمقترح الترخيص لبنوك أجنبية تقدم الائتمان في المملكة رأى فيه المحافظ أن ضرره أكثر من نفعه نظراً لتجارب دول عديدة بهذا الشأن. وهنا نتكلم عن نظرة شمولية لجهة مسؤولة تنظر للمستقبل بأكثر من عين وتزن السلبيات والإيجابيات لتذهب باتجاه المصلحة العامة، فالبنوك الأجنبية بنهاية المطاف ستذهب بالربح الى الخارج ولن يستثمر محلياً على أقل تقدير، بخلاف ما قد تحدثه من إرباك في مجال السيطرة على التضخم من خلال التوسع بالإقراض في اقتصاد يُعدُّ من بين الأكثر أماناً عالمياً وفيه فرص كبيرة.
لكن غياب الحلول يؤثر على معدلات النمو المحتملة والمنوي الوصول لها مستقبلاً من قبل الدور المأمول للقطاع الخاص، فكان من الممكن البحث عن حل خارج إطار المصارف التجارية الحالية مثل إنشاء بنوك تعمل في مجال متخصص كالتمويل والاستثمار، فمعلوم أن هناك بنوكاً أنشئت في الخليج برؤوس أموال سعودية كونها لم تحصل على الترخيص هنا، كما أن من المقترحات هو زيادة عدد البنوك التجارية داخل المملكة، فلا يمكن للمصارف الحالية استيعاب طاقات النمو وحجم المشروعات التي تطرح بالمملكة بخلاف توسيع دور الصناديق الحكومية أو إضافة صناديق متخصصة لدعم تمويل القطاع الخاص.
فلا يمكن أن تلبي البنوك كل طلبات الائتمان عموماً لأنها -كما قال المحافظ- ليست جمعيات خيرية، وهناك حقوق يجب أن تصان وتحفظ بعيداً عن المخاطر، بخلاف أن المتطلبات التي تقدم الآن للحصول على قرض تأخذ أبعاداً مهمة لحماية أموال المصارف من رؤوس أموال ومودعين، لكن للقطاع الخاص مطالب لابد من النظر إليها بجدية، فإذا كان عليهم ترتيب أوراقهم من جديد وتحسين أوضاعهم المالية مع وضع معايير محددة وأنظمة تضبط إيقاع القطاع الخاص أمر مهم يساهم بحل مستقبلي لحوار الطرشان الذي يدور بينهم وبين البنوك.
اللقاء بحد ذاته نقطة مهمة تحسب لكل الأطراف، والرسالة التي أرادت مؤسسة النقد إيصالها أن المخاطر أصبحت ذات أولوية قصوى بمعايير عمل المصارف ولا مجال للمغامرات، فالمال الآن يجب أن يذهب باتجاهه الصحيح حتى أن المحافظ لم يغفل نقد البنوك التي لم تعير الوحدات الصغيرة والمتوسطة اهتماماً كبيراً بالمرحلة السابقة كونها اللاعب الرئيس بدورة النمو التي تقع على مسؤولية القطاع الخاص، غير أن رجال الأعمال يبدو أنهم بقدر ما خرجوا بخفي حنين من وجهة نظرهم إلا أنهم لم يقدموا ما يمكن أن يبلور حلولاً تتعاطى معها المؤسسة التي ألمحت الى خلل ما فيهم من ناحية الملاءة المالية ووضوح الصورة من قبلهم، إلا أن الاقتصاد يبقى مرهوناً بمدى الانسجام والتفاهم بين كلا القطاعين العام والخاص وقدرتهم على المساهمة بحلحلة العراقيل كل حسب دوره.