Al Jazirah NewsPaper Saturday  09/01/2010 G Issue 13617
السبت 23 محرم 1431   العدد  13617
 
دوائر الذات المهزومة
ابراهيم بن عبد الرحمن التركي

 

كنا نتندر بذاك المثقف الرسمي (والصفتان هنا متلازمتان؛ فهو بذاته ليس مثقفاً) حينما صادفناه في تظاهرة ثقافية عربية، موظفاً المظهر في حركاته وسكناته؛ فلا يمشي على قدميه كخلق الله، ولا يكتفي بسيارته مثل عباد الله، وتسبقه مركبة بصوت، وتلحقه أخرى بوميض، وبجانبه وأمامه من يقبلون دور الحشو والحاشية، ثم يتصدر الجلسة ليحكي عن الهم الثقافي، وجهوده في النضال المعرفي، وتوشك تقسم أنه لم يسجل موقفاً أو يكمل كتاباً في حياته، وقد تشك بشهاداته، ثم تحوقل وتحسبل، وتهزأ بزمن قواعده «التمييز» و»المضاف» و»الاستثناء».

هذا الذي «يطأ الثرى مترفقاً من تيهه» نموذج من نماذج، كنا نحتمل وجودهم في رجال المال والأعمال والإدارة ؛ حتى لا تكاد تعرف لهم شكلاً غير مرتبط بوشي البشت، وارتفاع الصوت، لكن عَمْراً تثاءب حين تثاءب خالد؛ فأعدت البقية «الثوباء» كما قرر أبو العلاء.

ليت الأمر سلوك فردي يرتضيه من يقبل دور المتفرج والمستفيد، ويأباه من لديه اقتناعات أخرى، لكن المشكلة تمتد باتجاه التفاعل الجمعي مع لغة الاستعلاء التي تقود إلى انفصال الفرد عن المسؤول، والمسؤول عن المسؤولية، ثم تختلط الأوراق؛ فيصبح الشيخ والعالم والمبدع نجوماً ترتفع عن الأرض وتترفع على أهل الأرض.

المشكلة هنا لا تتصل بجماهيرية وانتشار، أو بفحمة و فرقد -كما مفهوم «أبي ماضي»- بقدر ما تعني التنازل عن المواقع التي يبلغها «بعض» بإمكاناتهم الذاتية المجردة ؛ فإذا صاروا أسرى الشكل سعوا لتضخيمه، وربما قادهم ذلك لترف المخمليات التي تجبرهم على الازدواجية المكشوفة بين قيم التواضع والنبل والتسامي وتقديم الفقير والضعيف وذي الحاجة وبين متطلبات الجاه والوجاهة التي لا تعلي غير مادياتها ولو تظاهرت بغير ذلك.

نام «عمر» تحت شجرته تأكيداً للمساواة ، ووضع خده على الأرض درءاً للمباهاة، وويلٌ لمن لا يحب هذا «العُمَر» من حُكْم عقله إذا وعى ؛ ففي مسلكه ما يقمع الفساد الناشئ عن شهوة النفس، والإفساد المترتب على جهل أو تجاهل الدرس.

لن تكفينا محاسبة الأرصدة المتورمة لو تواصلت بالمبدأ «العمري»: «من أين لك هذا؟»؛ فنحن بحاجة كذلك لبتر الذوات المتورمة التي تحجب الخلق و تمنع الحق ويضيع في تلافيف وهمها الصدى.

الصورة سريالية، ربما تستدق ملامحها بنسبة ما تسترق من ملامحنا؛ فإذا نحن «جميعا» بلا وجوه، وإذا الأفهام رموز، والأجسام أرقام، وإذا العقل قد يغيب حين يحضر العقال.

الدائرة تنداح فتُشقي وترتاح.



Ibrturkia@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد