Al Jazirah NewsPaper Friday  08/01/2010 G Issue 13616
الجمعة 22 محرم 1431   العدد  13616
 
فجر قريب
أرجوك احترمني!
د. خالد بن صالح المنيف

 

نأسف لعدم تمكننا من الإقلاع في الموعد وذلك لظرف خارج عن الإرادة.

كان هذا مطلع حديث كابتن الطائرة المتجهة للقصيم قالها في معرض اعتذاره للركاب، ويا ليته سكت واكتفي بتلك الجملة!

بل أكمل حديثه موضحاً تلك الظروف بأنها وجود شخصيات مهمة في المطار!

وفات على الكابتن (اللطيف) أن جميع من في الطائرة وخارج الطائرة، بل البشر أجمع في جملتهم يرون أنفسهم شخصيات مهمة وجديرة بالتقدير والاحترام، بل يتضورون (جوعاً عاطفياً)، ويحتاجون إلى جرعات دائمة من الإشعار بالأهمية!

من العبارات الرمزية الجميلة تلك العبارة التي تقول: في أعماق كل شخص منّا هناك شخصٌ آخر ينادي كل من يتعامل معه ويصرخ فيه قائلاً: أرجوك احترمني، أرجوك لا تمر غير آبهٍ بي!

والأمر لا يتوقف على البشر فحسب، ألا ترون أن أول ما تطالب به الدول هو الاعتراف بها؟!

نعم، إنها القوة الأكثر حضوراً والأعمق جذوراً والأبعد أثراً،

وقد أكد في غير موطن العالم النفساني الكبير وليم جيمس هذا المفهوم بقوله:(إن أعمق الرغبات الإنسانية عند البشر وأشدها إلحاحاً هي الحاجة للشعور للتقدير والاحترام!)

ويؤكد هذا ما نلاحظه من تسابق محموم في جميع المجتمعات على شراء اللوحات والأرقام المميزة، وكذلك تملك الكثير للقصور الكبيرة التي تحوي عشرات الغرف، وقد يسكنه هو وزوجته فقط!

إنها تلك الرغبة الكامنة التي جعلت (موزارت) يستوحي ويؤلف مقطوعاته الخالدة، وحفزّت (فان جوخ) على رسم لوحاته المذهلة ودفعت بالروائي العبقري (شكسبير) أن يكتب رواياته الخالدة، وهي الرغبة نفسها التي دفعت ببعض المراهقين إلى العبث برؤوسهم وحلاقتها بقصات مقززة، وهي كذلك من دفعت بعضهم إلى ارتداء الملابس العجيبة، وهي التي تجعل الصغير يلح على والده أن يتابعه وهو يلعب إحدى الألعاب الخطيرة أو عندما يؤدي حركة بهلوانية!

إنها صرخة (الأنا الداخلية) التي ربما تجعل الكثير يتجاوز المعقول حتى يثبت للعالم أنه موجودٌ!

هل تشكر زوجتك أو طفلك أو خادمك عندما يأتي بحاجة لك؟ هل تثمن عطاءات الآخرين وتحترمها؟ هل تحترم الآراء المخالفة ولا تسفه أو تحقر من شخصيات معتنقيها؟ هل تلاحظ نقاط القوة في من حولك وتبرزها؟ إن الأذكياء اجتماعياً لا يفوّتون فرصة في إشباع تلك الرغبات المستعرة والجوع النهاش عند الآخرين، بالثناء عليهم ورصد مزاياهم وتسليط الضوء على جميل طباعهم واستحضار إنجازاتهم، ومع هذا الأسلوب الراقي سيبادلونهم المشاعر ويمارسون الدور ذاته معهم!

لن تكسب الآخرين ولن تتمكن من اختراق قلوبهم وعقد الصفقات النفسية ومن ثم التأثير عليهم ما لم تعتقد في داخلك أنهم جديرون بالتقدير والاحترام، يقول الدكتور جي راين: إن معاملتك للآخرين تعتمد بشدة على ما نعتقده فيهم!

ولنا في قرة أعيننا محمد اللهم صلِ وسلم عليه قدوة حسنة في احترام وتقدير الآخرين ومن يتتبع السيرة سيجد مواقف لا حصر لها تدل على هذا، ومنها روي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: أليست نفساً؟!

وأخيراً تذكر أن من مظاهر قوة الشخصية وسلامة القلب والثقة الفائقة بالنفس النظر إلى الآخرين بنظرات الاحترام وتقديرهم واحترام معتقداتهم وأوطانهم ومهنهم وحتى ممتلكاتهم الشخصية. وفي هذا دلالة واضحة على امتلاك قلب سليم عاطفي كما يقول د ريدفو مدير المركز الطبي في جامعة ديوك، فالقلوب الطيبة المحبة هي القلوب السليمة! وهي كذلك مظهر جلي من مظاهر احترام النفس ومن علامات رقيها

ومضة قلم:

خيوط الشمس الذهبية تنشر النور والدفء في الكون، لكنها تعجز عن إنارة قلب حاقد!

الشيخ السوري

لم يكن حواراً فكرياً منصفاً ولا نقاشاً علمياً متحضراً ولا استدراكاً منطقياً راقياً ما كتب عن الشيخ محمد المنجد، وذلك الهجوم الشرس من قبل زملاء نكّن لهم احتراماً وتقديراً في الأيام الماضية، وما قرأته كان يفتقد لأبسط مقومات الإنصاف والعدل، وأدنى صفات الطرح الموضوعي، حيث لم تترفع تلك المقالات عن التنابز والتحقير والسخرية والهمز واللمز ناهيك عن الحضور المؤسف للغة الاقصائية والتلبيس العجيب! والشيخ محمد الذي لا تجمعني به صلة ولم أقابله ذات يوم عالمٌ جليلٌ ومفكرٌ عجيبٌ نشأ في هذا البلد الطيب ونهل من معين علمائها، وله من الطرح المتزن ما يُثير الإعجاب، فله من الجهود والإنجازات ما يقصر هذا الموطن لبسطها والحديث عنها، وقبل الأخير نصيحة أقدمها لشخصي المقصر ولإخوتي أن ننصف أنفسنا بالعدل مع الآخرين وألا تدفعنا الاختلافات الفكرية لظلم الآخرين والاعتداء عليهم، فما أروع أن نختلف بحبٍ ونتحاور بودٍ وننتقد بإخلاصٍ وطيب نيةٍ!

****



khalids225@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد