ذكرنا في المقالة السابقة - باختصار - بعض خصائص وسمات الاتجاهات الحديثة في نظام الاعتماد الأكاديمي (Accreditation System)، التي تتطلب من الجامعات الراغبة في الاعتماد، توفير مجموعة من المقومات الإدارية
والتعليمية، ومن أهمها بلورة رسالة المؤسسة (Mission)، وكيف يتم تنفيذها وفق رؤية مدروسة (Vision)، وكل جامعة لها الحق في وضع رسالة وأهداف تختص بها دون غيرها، ويرى كثيرٌ من الباحثين ومنهم الدكتورة (فردوس عبد الحميد) في كتابها: (منظومة التعليم العالي في الولايات المتحدة الأمريكية) بأن مسئولي المعايرة (Accreditors) عندما يبدؤون بفحص الوثائق الخاصة بطلب الاعتماد يكون الاهتمام أولاً بالنظر إلى دور الجامعات ورؤيتها ورسالتها....وتواجه بعض الجامعات المستحدثة صعوبة كبيرة في عملية صياغة وفهم الرسالة والرؤية، وتتضمن تلك العملية ما يلي:
- الرسالة: الهدف الأساس للمنظمة.. وتعكس النشاط الرئيس للجامعة.
- رؤية المنظمة: توجهاتها وموقعها المستقبلي.
- تعريف بالنشاط الذي تقوم به: تعريف بالطلاب الذين ترغب أن ينضموا إليها، وتحديد مجال التميُّز الذي ستكون عليه في المستقبل.
- قيم المنظمة التي يتوجب على منسوبي تلك الجامعات فهمها وتحويلها إلى أفعال وسلوكيات.
نتيجة ما سبق طرحه، فقد سعت بعض جامعاتنا المحلية بشكل جاد - بالوقت الراهن - لوضع خطة إستراتيجية خاصة بها، وذلك من أجل أهداف مستقبلية للجامعة، وعادة ما تتركز على تحديد القضايا الأساسية والمؤثرة في رسالة الجامعة، وتحقيق متطلبات التقويم والاعتماد الأكاديمي على المستويين المحلي والعالمي، وتحسين الكفاءة الداخلية ورفع جودة مخرجات التعليم، وتوفير بيئة جاذبة للكفاءات المتميزة من أعضاء هيئة التدريس، وتوفير الإمكانيات المعيارية للبحث العلمي وتشجيع الباحثين وإبرازهم عالمياً، وتوفير البيئة التعليمية المناسبة لتطبيق الاتجاهات والتقنيات الحديثة في التعلُّم والتعليم الجامعي، وتعزيز الشراكة بين الجامعة وقطاعات المجتمع وسوق العمل، ونشر وتعزيز ثقافة التخطيط الإستراتيجي في كليات وإدارات الجامعة. وقد أدى التخطيط الإستراتيجي السليم إلى حصول بعض جامعاتنا في بعض برامجها على الاعتماد الأكاديمي العالمي، ومن ذلك ما نجده في جامعة الملك عبدالعزيز، حيث حصلت الجامعة على الاعتماد الأكاديمي العالمي على أكثر من 36 برنامجاً علمياً، وذلك من أرقى هيئات الاعتماد والتقويم العالمية في أمريكا وأوروبا، ويُعد ذلك مؤشراً على ارتفاع مستويات الجودة (عبد الله مصطفى، التخطيط الإستراتيجي للجامعات... مطلب للعالمية، جريدة المدينة، 14-1-1431هـ).
والتخطيط الإستراتيجي لأي منظمة كما يعرفه كثير من المختصين بأنه: أداة إدارية تُستخدم لغرض أساس، وهو مساعدة المنظمة للقيام بمهامها بصورة أفضل عن طريق وضع تصور لمستقبل المنظمة وتطوير الإجراءات والعمليات والوسائل الضرورية لتحقيق ذلك التصور المستقبلي، ولتقييم وتحديد مسار تلك المنظمة في سعيها للتأقلم مع المتغيرات في البيئة المحيطة.
لقد خطا التعليم العالي في المملكة العربية السعودية خطوات موفقة في السنوات الأخيرة كماً ونوعاً، وبدأ التنافس واضحاً بين الجامعات السعودية في استقطاب الكفاءات المؤهلة والحصول على الاعتماد الأكاديمي لبرامجها العلمية والترقي في التصنيف العالمي، ومع تلك الجهود الملموسة من الممكن وضع عدة لجان دائمة تعمل بمهنية عالية للتواصل مع جامعاتنا المحلية لكي يكون لها طريق ترسم من خلاله خارطة للتطوير، ومنها الخطة الإستراتيجية الخاصة بها، ومن الممكن - في نظري - تشكيل (لجنة متخصصة في تقديم الخدمات الاستشارية في مجال التخطيط الإستراتيجي) لتقوم ببعض المهام ومنها:
- دراسة احتياجات المجتمع في كل منطقة في مجال التعليم، واقتراح ما يناسب ذلك المجتمع من التغيرات العلمية والتقنية وسوق العمل.
- عمل توصية لجامعاتنا من أجل التركيز على بعض التخصصات التي ينبغي عليها التركيز والتميُّز فيها.
- متابعة فرق العمل المؤثرة في مسيرة الجامعات، وعلى سبيل المثال الفرق المكلفة ببناء الخطط الإستراتيجية، وتقديم العون للاستشاري عند الحاجة.
- تشكيل فريق عمل متخصص - يمكن تشكيله من جامعاتنا المحلية - ليقوم بنشر ثقافة التخطيط الإستراتيجي لجامعاتنا المحلية، ويقوم بعمل ورش عمل للفرق المكلفة بوضع الخطة الإستراتيجية لتلك الجامعات، وبالتنسيق مع تلك اللجنة.
- التنسيق مع بعض الجامعات العالمية لتقوم بزيارات لجامعاتنا المحلية وإقامة ورش عمل بخصوص (ثقافة التخطيط الإستراتيجي).
- مساعدة جامعاتنا على تطوير برامجها الأكاديمية، وتحفيز البرامج الأكاديمية المتوسطة لرفع كفاءتها ومستواها.
- خلق أهداف متجددة ومتغيرة لتحسين الأداء الذاتي بالجامعات.
- عمل نشرات تثقيفية وبصفة دورية لها علاقة بالتخطيط الإستراتيجي، والاستدلال على سمات التميُّز وصفات التفرُّد التي تتميز بها بعض الجامعات العالمية............ يتبع.
*كاتب وأكاديمي سعودي
(ksapr006@yahoo.com)