Al Jazirah NewsPaper Friday  08/01/2010 G Issue 13616
الجمعة 22 محرم 1431   العدد  13616
 
تنظيم الأولويات
عبد الله بن محمد السعوي

 

المنهجية التنظيمية لسلم الأولويات وتحديد ما هو أخْلق من سواه بالتجسيد، منهجية غنية ببواعث التألق حيث عبرها يجري رسم الخطوط العريضة وتوجيه مسارات السلوك واستغلال المساحات الرحبة للحركة ..

.. وتوظيفها على نحو يؤمّن نوعاً من التوازن الحيوي.مراعاة تلك المنهجية المتمثلة بفقه الأولويات من الأهمية بمكان حيث من خلالها ينعم المرء بحياة منتجة يجري فيها التخطيط الاستراتيجي وتحاشي الوقوع تحت تأثير ردود الأفعال الانعكاسية ومن خلالها يتم تقديم الأهم على المهم والواجب على السنة بشكل منظم وعبر تسلسل منطقي؛ لأن الأعمال تتفاوت فثمة أشياء طارئة لا مناص من فورية مباشرتها, ولا تقبل الإرجاء بطبيعتها, وثمة اشياء مهمة, وثمة ما هو أهم منها, وثمة أيضاً ما يحتمل التأجيل وليس ثمة ضير في ترحيله نحو برهة زمنية أخرى، كل هذا يتم التعاطي معه من خلال ترتيب السلم الاولوي الضابط للأعمال بكافة قوالبها.

الذهنية المسكونة بمحورية البعد الأولوي تكون في مأمن من الانزلاق فى فخ العشوائية والاطراد الفوضوي الذي تنمو مقاديره كلما وهن حس الأولويات وضمرت موجباته. إننا لو تمعنا لألفينا أن فقه الاولويات كفريضة هو الغائب الأكبر المهمش فى واقعنا ولذلك كثيرا ما نقع فيما ثمة معرّة فى ملابسته نتيجة لتداعي ذلك اللون من الفقه ومحدودية مساحة حضوره.

إن ثقافة الاولويات باتت ثقافة مهمشة وفي ذيل ممارساتنا.

ومن مظاهرالغياب لهذا الفقه ما يلي:

أولا: الانشغال بالفروع عن الاصول كالانشغال في آلية وضع اليدين على الصدرفى الصلاة أوحكم قص مازاد على القبضة أوحكم الظهورفى القنوات الفضائية وعدم الالتفات إلى المسائل الهامة كحفظ الأمن وجمع الكلمة ووحدة الصف ومثل معالجة قضايا الابتزاز وهروب الفتيات والفساد الإداري - كارثة جدة مثالا - والتبعية للسّوى وتضاعف معدلات السلوك الإجرامي وتفشي ظاهرة السرقة وألوان التخلف التقني والضمور الابداعي.

ثانيا: بعض الناس مشغوف بإشعال المعارك الملتهبة وضخ إرهاصات الاحتقان حول القضايا الخلافية المتأبية على التأطير المتعالي على التلون التعددي، ثمة من هو مولع بإدارة المواجهات الحادة فى مسائل كالنقاب والحجاب والتصوير, وهل تم الوصول إلى سطح القمر أم لا؟! فيجعلها مادة لا للحوار والإثراء المعرفي وإنما للسجال المتكئ على إكراه الآخرين على النظرمن زاوية أفقه المفاهيمي، وفي المقابل يتعامى عن تلك القضايا الدولية المصيرية الكبرى المرتبطة بوجود الأمة ومكانتها على الخريطة الدولية.

هناك من يذكي أوار التجاذبات الأيديولوجية ويقدح زناد الملاسنات الرؤيوية ويشغل المكونات بتبادل الفعل الإقصائي المتزايد على نحو ينهك طاقات الأمة في جدل بيزنطي: إما فارغ المعنى أويحتوي على ضرب من المعنى القابل للإرجاء الزمني، ولا يعي أنه بذلك يتيح الفرص لمن يتربصون بنا الدوائر, ويترصدون الفرص السانحة لاهتبالها في إدخال المجتمع في حالة من التشظي الذي يطال متباين تعبيراته.

ثالثا: العناية بالشكل وإيلائه اهتماما إضافيا أكثرمن المضمون فيجري الاحتفاء بالمقاييس الشكلية للأفراد وفي الآن عينه يجري غض النظر عما ينطوون عليه من الداخل حيث نلاحظ أن كثيرا من الذهنيات تشكلت على اعتبار أولوية المظهر على حساب المضمون ومن ثم توجهت الاهتمامات نحو تحسين الصورة الخارجية وإهمال المحتوى الداخلي العاكس لحقيقة الإنسان.

هناك من يوالي ويعادي في شأن الصورة الخارجية فيركز عليها بينما الأعمال القلبية المتصلة بنقاء الطوية وسلامة السريرة يضرب عنها صفحا ولا يبدي تجاهها أي عناية تذكر, فعندما تتعاطى معه على المستوى المادي تجد أن الغش مكون جوهري في تعاملاته, وعندما تصغي إلى حديثه وتصيخ السمع إلى مخزونه المفرداتي تجد أن ازدراد لحوم الناس والغيبة المقيتة هي المادة ذات القدح المعلى وذات الحضور الأبرز في قاموسه اللفظي. تثور ثائرته عند ما يقف على متلبس بمحظور في الظاهر كالتدخين مثلا لكنه لا يسلط الأضواء على ما يختلج في قرارة خلده من أوبئة عفنة كالحسد مثلا فهو يملأ عليه أقطار ذاته ويملي عليه ماهية السلوك الشخصي العام!

رابعا: التركيز على الانشطة التعبدية ذات الملمح الفردي والمردود الذاتي الخاص وتناسي العناية بالأنماط التعبدية ذات الطابع الاجتماعي المتعدي والعوائد ذات الآفاق الممتدة. فمثلا يتم صرف الطاقة نحو تكثيف معدل السنن الراتبة في الصلاة وفي المقابل إشاحة الوجه عن القيام بتوسيع دائرة الصدقة وتنويع آليات الإنفاق؛ هناك من يشتغل بالعمل الدعوي وينهمك في متتالياته، لكنه لا يكترث بحقوق زوجته ولا يعبأ بالجلوس مع أبنائه وتلمس احتياجاتهم هذا فضلا عن عدم التواصل مع تلك الشريحة التي يمت لها بصلة قرابة ووشيجة رحم وتشكل له لونا من الامتداد الأسري.

خامسا: إيلاء الاعتبار للكمية على حساب الكيفية والاحتفاء بالحجم على حساب النوع فنهتم بتكثيف قراءة القرآن ولا نكترث بعملية تدبره؛ لأنها قراءة عابرة وليست قراءة مركزة تعيش مع الجو القرآني وتعايش لحظات النزول الأولى.

هناك من يحتفي بزيادة منسوب الركعات والسجدات, لكن لا يحفل بقضية الحضور القلبي ولذة المناجاة والاتصال بالمناخات الروحانية. هناك من ينفق الأموال الطائلة في بناء المساجد ويُغفل حاجة الأمة لمراكز الدراسات واستراتيجيات التخطيط والبحوث العلمية والمنتديات التثقيفية والقنوات الفضائية والجامعات ذات التأهيل العالي المستوى وترجمة الكتب ونشرها وتبني رعاية أولي الإبداع.وبيت القصيد هنا هو أنه لا بد أن تُمنح الأولوية لفقه الأولويات بحسبه يكتسب مزيدا من الأهمية وخصوصا فى هذا المنعطف التاريخي الحرج وفي ظل تضاعف أجواء التصعيد المنذرة باحتمال اندلاع حالة من التجاذبات الحادة في ربوع العالم.



Abdalla_2015@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد