ذات مساء جلست مع أحد أبنائي، فذكر لي أنه سيعود قريباً إلى لندن لاستكمال ما بدأه من دراسة، وأنه سيستبدل شقته التي اشتراها بأخرى تكون في إحدى المباني التي يسكن بها أصدقاء أعزاء عليه، وقلت له ربما لا تجد في ذات المبنى شقة يمكن استئجارها، فيمكنك استئجار شقة في مبنى مجاور، فقال: لكنني قد أحتاج إلى الانتقال من مبنى إلى المبنى المجاور في العاشرة مساء أو بعدها بقليل، وهنا قد لا يكون الأمن متاحاً لا سيما إذا سرت على قدمي في ذلك الوقت من الليل حتى وإن كان المبنى في موقع آمن بمقاييس تلك البلاد.
بعد هذا الحديث غاب ساعة ثم جاء إلي والساعة تشير إلى منتصف الليل بعد أن لبس ملابس شتوية ثقيلة واستأذنني في الذهاب إلى مخيم صديق عزيز عليه أثيرٌ لديه في منطقة برية بالقرب من المزاحمية.
توقفت عند الطلبين وذهبت في تفكير عميق عميق وتدبرت كيف يخشى أحدنا الانتقال من مبنى إلى مبنى مجاور في مدينة لندن العريقة، بينما يذهب مطمئن البال إلى صحراء الرياض بعد منتصف الليل، لا يخشى من غائلة معتد، أو من سرقة سارق، فحمدت الله على ذلك.
وفي المساء قدمت ابنتي من خارج المنزل الساعة الثالثة مساء بعد حضورها مناسبة ثم تلتها زوجتي مع الساعة الرابعة بعد حضورها مناسبة أخرى وليس مع أي منهما سوى السائق، فأضاف هذا الأمر لي شيئاً من التفكر الذي يقود إلى حمد الله تعالى على نعمة الأمن العظيمة التي تعيشها المملكة.
نعمة الأمن نعمة عظيمة تستوجب الشكر والثناء لله تعالى أولا، ثم للقائمين على أمن هذه البلاد والمسيرين له. والحياة مع الأمن تمد المرء بالسعادة والغبطة، كما أنها تكون حافزاً للعطاء والتنمية الاقتصادية والبناء. وهذا ما تعيشه المملكة في الوقت الحاضر.
المملكة بها أعداد كثيرة من الوافدين من جنسيات مختلفة ليس من اليسير التحقق من خلفياتهم السلوكية قبل مجيئهم، كما أن بها بعضاً من المتخلفين من الحج والعمرة، ومع هذا فأمنها ولله الحمد يفوق العديد من الدول، كما أن مدينة الرياض عاشت ومازالت تعيش في أمن واطمئنان بفضل الله تعالى ثم بفضل القائمين على أمنها، فعاش المواطن والمقيم في أمن واطمئنان.
لا يمكننا أن نقول إن الرياض وباقي مدن المملكة خالية من الحوادث الأمنية فهذا أمر محال، غير أن من الإنصاف القول إننا مقارنة بغيرنا ننعم بالكثير من الأمن الذي قد لا تعيشه مدن كثيرة من العالم، فهناك مدن عالمية كبيرة ومشهورة مثل باريس أو نيويورك أو لوس أنجليس وغيرها كثير، لا يمكن مقارنة أمنها بأمن مدينة مثل مدينة الرياض، فمدينة الرياض تفوقها بكثير، كما أن هناك عواصم عربية يصعب على المرء السير فيها ليلاً مخافة من معتد أو سارق، حتى إن المرء لا يمكنه التحدث بهاتفه النقال عند الإشارة الضوئية ونافذة سيارته مفتوحة مخافة اختطاف هاتفه من يده عنوة.
يمكن لأحدنا أن يأخذ أحد جوانب القصور ويصنع منه جبلاً، ويملأ منها سهلاً، ويشبعها قولاً، فيقنع نفسه ويحاول أن يُظهر لغيره واقعاً غير الحال، وأمراً لا يخطر على بال، وينسى ما يعيشه وأسرته في ليله ونهاره، وسره وجهاره، يعيش آمناً تذهب عائلته إلى حيث تشاء ومتى تشاء وهو ساهر مع زملائه في استراحة، أو ذاهب إلى الصحاري يبحث عن نقاء الهواء، والسعادة مع الأصدقاء.
ولنتذكر دائماً تلك النعمتين المجحودتين الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان.
فهما أساس الحياة وما زاد عليهما فعلا يعدو كونه إضافة لمزيد من السعادة الإنسانية التي لا يكل المرء ولا يمل من السعي في البحث عن المزيد وبهذا الطلب في المزيد تُعمر الأرض وتتم مسيرة الحياة. فالحمد لله على نعمة الأمن، وشكراً لمن قام على توفيرها.