لما كان الشباب هم المنفذ الذي يحاول أعداء الأمة، وأعداء دينها أن يدخلوا معه لأنهم الأسرع للتقليد، والأقرب لأخذ كل جديد مهما كان، بدون روّية ولا تمحيص، تقليداً ورغبة فيما هو جديد، بدون وعي أو نظرة في العواقب...
... لذا فإن مسارب التيارات المعاصرة التي يمكن تحذير الشباب منها، تلخيصها في الأمور التالية:
1 - الهجمة الشرسة على الإسلام، والعداء المستحكم ضد المسلمين، بغضاً لهذا الدين، وحسداً لأمة محمد كما أخبر الله عز وجل?َلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ? (سورة البقرة 217).
2 - قسر الأمور الإسلامية في العبادات والتشريع، حتى يوافق الأهواء والمفاهيم الحاضرة عندهم، والدين لا يتبع الهوى، يقول الحق سبحانه: ?وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ? (سورة المؤمنون 71).
3 - بلبلة أفكار الشباب بالتشكيك في التشريعات الإسلامية، وعدم قدرتها على مسايرة الحياة الحاضرة، يقول سبحانه: ?وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى? (سورة البقرة 120).
4 - تكبير حجم المستشرقين، وتحسين ما تنطوي عليه أفكار وجهود المبشرين بدياناتهم - المنسوخة- وما يعملون من أجلها، يقول جل وعلا: ?وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُم?(سورة محمد 30).
5 - الحرب على اللغة العربية، وتحبيب اللغات الأجنبية، لأبناء المسلمين، حتى يبتعدوا عن اللغة التي يفهمون بها دينهم، وتربطهم بتراثهم وإخوانهم، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: عليكم باللغة العربية، وعلموها لأبنائكم فإنها وعاء الدين.
ولا تتحد كلمتهم، ويفهموا شرائع الله إلا بها، لأنها لغة القرآن الكريم، وبها تقوى شوكتهم، ولأنّ مباعدة المسلمين عنها إبعاد عن دينهم.
6 - تسليط المغريات، والترغيب في الملذات حتى تضعف رابطة المسلمين بدينهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، قد قال: (حُفت الجنة بالمكاره، وحفتْ النار بالشهوات) وحذّر من الركون لشهوات الدنيا، حتى لا تهلكهم كما أهلكت من كان قبلهم.
7 - إظْهار شعارات مختلفة، لتكون مجالات للترابط والتقارب مع الإسلام، كالحزبيات وشعار المؤمنون متحدون، والتقارب بين الأديان، والدعوة إلى الدين الإبراهيمي، وفق منهجهم، وغير ذلك مما يبهر الشباب بمسماه، ولكنّه يختلف في المقصد، والدوافع يقول رب العزة: ?مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين? (سورة آل عمران 67)، ويقول جل وعلا: ?يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ...? (سورة آل عمران 65) ?فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ? (سورة آل عمران 66).
8 - إيجاد هوّة سحيقة تسبب النفرة والتباغض، بين الشباب وبين قياداتهم وعلمائهم، حتى يخالفوا أمر الله سبحانه، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، اللذين هما وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، وحثّ على التمسك: بالقرآن والسنة، ولن يضلوا ما تمسكوا بهما، يقول جل وعلا: في خطابه للفئة المؤمنة، في أمره الكريم بالطاعة والاجتماع, في مواطن كثيرة من القرآن الكريم، ومنها قوله سبحانه: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ? (سورة النساء 59).
وبذلك يوغرون الصدور بالكذب والافتراء، حتى يدفعوهم لتجسيم الأمور، وعدم الطاعة التي أمر الله بها، حتى يكون مجتمع المسلمين فَوْضَى لا سراة لهم، فيسهل على العدو التغلغل في المجتمع الإسلامي، ليصول الأعداء فيه ويجولوا، رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أخبر أنه نُصِر بالرّعب مسيرة شهر، والله جل وعلا يقول: ?وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا?(سورة النساء 141).
يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: إذا رأيت في كتاب الله: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ?، فارْعها سمعك، فهو إما خير تؤمر به فاتبعه، أو شر تُنْهى عنه فاجتنبه، والذي نخشاه على الشباب، مع تزاحم الثقافات، وانتشار الفضائيات ووسائل الإعلام، أن يتساهلوا بدينهم، ويركنوا للذين ظلموا، فتلون العاقبة وعبدالله سبحانه: ?وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ? (سورة محمد 38).
9 - ويدخلون على الشباب، من باب ترغيبهم في تبني المذاهب الأدبية، بتياراتها وانتكاساتها، بأهدافهم الفكرية، البعيدة عن منهج الإسلام: باسم التقليد والمحاكاة، في أمور لفظها الغرب، وتعدّوها بزمن: كالبنيوية والحداثة، لأن فكرهم منبعث من عقائدهم، وفكر أبناء الإسلام، يجب أن يكون سائراً، في منهج الإسلام المستمد من مصدري التشريع: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما خفي عليهم فمن منهج السلف، كما جاء في الأثر: ما رآه المؤمنون حسناً فهو حسن وما رأوه قبيحاً فهو قبيح.
10- تحريك جذور العقيدة التي تمثل المذاهب والمعتقدات في الملل والنحل، المعادية للإسلام، وتنشيط العصبية القبلية، التي أماتها الإسلام، وتحريك النزاعات العِرقية، والطائفية، حتى يتبناها الشباب، لتكون سبباً في التباعد، عن بعضهم وتحريك العداوات، لأن هذا من مبدأ أعداء الإسلام والأمة، وقاعدتهم تقول: فرّق تسُدْ.
11 - تجسيم التيارات الفكرية، المتولدة في بيئاتها، ومن ثم نشرها وتمجيد أصحابها، حتى تتصادم مع حقيقة الإسلام وفكره لتضعف مكانته في النفوس، ليكون هذا الفكر، مقدّم على فكر الإسلام وما يدعو له من تآلف ورابطة بين الفكر والعبادة، ففكرهم غير فكر المسلمين، ويرجو المسلم من ربّه، غير ما هم يرجون، كما قال سبحانه.
12 - تثبيط همم الشباب، وتشكيكهم في قدرة أمتهم الإسلامية، في مسايرة الأمم الأخرى حضارياً وعلمياً واقتصادياً، وصناعياً وغير ذلك، مما يرغبون من ورائه التزيين أمام الشباب: أن كل أمر تقدمي، لا يصلح بدون إدارتهم وفكرهم، لتكون بأيديهم دفّة الأمور، حتى يسيطروا فكرياً وإدارياً، وتكون الأمور الاقتصادية بأيديهم ليشعروا الشباب بالتبعية، بدل الاستعمار العسكري باستعمار فكري واقتصادي، وقد أرانا الله عجزهم بالنكسة الاقتصادية التي حلّتْ بديارهم.
وغير هذا من نماذج وشبهات، هي من المسارب التي يُحبون فرضها على أذهان شباب الأمة، حتى يشعروهم بالنقص في أمور الحياة عندهم، مجسّمين السبب من الدين الإسلامي وتعاليمه، ومِنْ ثم يُمسكوا بمقودهم الفكري ليستولوا على مقدرات أمور المسلمين، مما يجدر معه بالموجهين للشباب الإسلامي، تحصينهم ضد هذه الأمور وغيرها، حتى تبرز قوة الإسلام، بفهم الشباب لتعاليم دينهم جيداً، ويدركوا أن الدولة الإسلامية، منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصفوة الأولى من هذه الأمة، صلحَتْ وأصلحت المجتمعات، حيث استوعبت خلال قرون عديدة: العلم والتقدم، والحضارة بشتى مناحيها، تهاوت بانهزام أمام حضارة الإسلام، أمم كثيرة، فاستقامت أموال الناس في معاشهم وتنظيم أمور حياتهم، بل سعُد الغَرْب بما أخذ عن المسلمين، من علوم ومعارف وبما استفاد من تنظيم وتقنين لنواحي أعمال الحياة.
ولم تقف حضارة الغرب، إلا على أسس مكيفة مما أرساه الإسلام، وشيد قاعدته المسلمون بهممهم وتمسّكهم بدينهم قولاً وعملاً ومثالية، نرجوها من الشباب اليوم اعتداداً ومسيرة عمل إذْ اعترف كثير من مفكري الغرب بدور الإسلام.
وما عرفت الإنسانية منهجاً سليماً في العدالة، وحسن الاستقامة إلا تحت ظل الشريعة الإسلامية، والمنصفون من علماء الغرب يشيدون بذلك، فعلى الشباب أن يأخذوا من مسيرة أسلافهم قدوة، مدركين أهمية الأخذ بالجديد النافع.
والاعتداد مع التمسك بمصدر القوة، وهو الدين والثبات، وأجدى من المناسب: نصيحة لكل شاب الأخذ بالنصائح في مثل: احتفظ بوقارك في أربعة مواضع: في مذاكرتك مع من هو أعلم منك، وتعليمك لمن هو أكبر منك، ومخاصمتك مع من هو أقوى منك، ومناقشتك مع من هو أسفه منك، والاعتبار بأحوال الدنيا وتقلباتها، فإن الصحابي أبا أيوب الأنصاري رؤي رضي الله عنه يبكي بعدما انتصر المسلمون في قبرص، ولما سئل قال: ما أهون الدنيا على الله بعدما كانوا سادة وملوكاً تغيّر أحوالهم بغلبة الإسلام، وقرأ: ?وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا? (سورة الأحزاب 27).
من زوايا التاريخ :
جاء في كتاب هبة الأيام لقاضي الموصل، الشيخ يوسف البديعي المتوفى عام 1073هـ: أنّ أبا سعيد المهلب بن أبي صفرة، كان والياً بخراسان، فلما حضرته المنية هناك، عهد إلى ولده يزيد وكان غائباً، وأوصى بنيه ألا يخالفوه، فقال له ابنه المفضل: لو لم تقدّمه لقدّمناه، وأحضر ولده فوصّاهم، وأحضر سهاماً فحُزمَتْ، وقال: أتكسرونها مجتمعة فقالوا: لا. قال: أتكسرونها مفرّقة؟ قالوا: نعم. قال فهكذا الجماعة. ثم قال: أوصيكم بتقوى الله، وصلة الرحم، وأنهاكم عن القطيعة وعليكم بالطاعة والجماعة، ولتكن فعالكم أفضل من مقامكم، واتقوا زلة اللسان، واعرفوا لمن يغشاكم حقه، فكفى بغدّو الرّجل ورواحه إليكم تذكِرة له، وآثروا الجود على البخل, وأحيوا العرف، واصْنعوا المعروف، وإياكم وكثرة الكلام في مجالسكم ومن جملة ما قاله: يا بَنِيّ استغفل الحاجب، واستظرف الكاتب، فإنّ حاجب الرجل وجهه، وكاتبه لسانه.
فلما توفى كتب ابنه يزيد إلى الحجاج يعلمه بوفاته، فأقرّه على خراسان وذلك سنة 82هـ.
ووفد الحجاج إلى عبدالملك، فمرّ في منصرفه بدير فيه راهب، فقيل له إن فيه شيخاً من أهل الكتاب عالماً، فدعا به وسأله: هل تجدون في كتبكم ما أنتم فيه ونحن، قال: نعم. قال: أمُسمّى أمْ موصوفاً قال: نجد موصوفاً بغير اسم ومسمّى بغير صفة، قال: فما تجدون صفة أمير المؤمنين، قال: نجده في زماننا، الذي نحن فيه، أنّه مَلِكٌ أفرع، من يقم في سبيله يصرع، قال: ثمّ من؟ قال: اسم رجل يقال له الوليد، ثم رجل اسمه اسم نبي، يُفتح به على الناس.
قال: أفتعلم من يلي بعده؟ قال: رجل يقال له: يزيد. قال: أفتعرف صفته؟ قال: يغدر غدرة. لا أعرف غير هذا فوقع في نفس الحجاج أنه يزيد بن المهلب، ثم سار وهو وَجلٌ، ثم عاد وكتب إلى عبدالملك بذمّ يزيد وآل المهلب، ويخبره أنهم زبيريّة، فكتب عبدالملك إليه: إني لا أرى طاعتهم لآل الزبير، نقْصاً بآل المهلب، بل وفاؤهم لهم يدعوهم إلى الوفاء لي.
فكتب إليه الحجاج يخوّفه غدرهم. فكتب إليه، إنّك قد أكثرت في يزيد وآل المهلب، فسم لي رجلاً يصلح لخراسان. فسمى قتيبة بن مسلم الباهلي، وبلغ يزيد أن الحجاج عزله. فقال لأهل بيته: من ترون الحجاج يولى خراسان؟ قال: رجلاً من ثقيف. قال: كلا ولكنه يكتب إلى رجل منكم بعهده، فإذا قدمت عليه عزله، وولى رجلاً من قيس، وأخلق بقتيبة بن مسلم. فقدم يزيد بن المهلّب على الحجاج، ولم يستجب لنصيحته حصين بن المنذر الذي نهاه.
فأمر الحجاج أن يعذب يزيد، وفرض عليهم ضرائب فهرب يزيد من السجن، واستجار بسليمان بن عبدالملك. (ص254 - 255).