الجزيرة - نايف الفضلي :
أكد البروفيسور إبراهيم عارف أستاذ علم الغابات في جامعة الملك سعود أن الاحتطاب عملية خطرة جداً على البيئة وسلبياتها كثيرة ومترابطة وكلها تخل بالتوازن البيئي الذي كفلته الأرض منذ مئات السنين. وبأن ما حدث في جدة من سيول هو ناتج إهمال البيئة وانتهاك طبيعتها، وان هذا من التوقع حدوثه في ظل عدم احترام الممرات الطبيعية للأمطار وبقية عناصر البيئة.
جاء ذلك أثر حوار صحفي مع أستاذ علم الغابات في كلية العلوم والأغذية بجامعة الملك سعود ورئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للعلوم الزراعية الأستاذ الدكتور إبراهيم محمد عارف الذي أثار فيه العديد من القضايا البيئية التي يعاني منها الوطن على رأسها الاحتطاب والتصحر ونتائج الاعتداء على طبيعة البيئة في نص الحوار التالي:
بدأنا الحديث في سؤال مفتوح عن واقع الاحتطاب في هذا الوقت، فأجاب الدكتور إبراهيم:
أصبح استهلاك الحطب هذا الوقت كبيراً جداً بشكل مخيف، ورغم أن هناك دراسات قليلة في هذا المجال ولكن هنالك عشرات الهكتارات من الغابات والشجيرات اختفت تماماً بسبب قطع الأشجار والاحتطاب. ويكفي أن نسأل أحد كبار السن المعاصرين لإحدى الروض أو الغابات عما قبل عدة سنوات وعن حالها الآن لنكتشف الفرق المهول.
ففي السابق كان الاحتطاب يقتصر على الحاجة الضرورية والعوز له وبشكل محدود في القرى والتجمعات الحضرية الصغيرة، وان كان فهو باحترام الشجرة بقطع ما يناسب حتى تعود للنمو والاستفادة منها مستقبلاً ولكن الآن وفي وجود المدن الكبرى أصبح هنالك طلب هائل عليه، وبالتالي فكان النتيجة الاحتطاب الجائر واقتلاع الأشجار من جذورها حتى وهي خضراء وجذورها رطبة بالماء! كل هذا جشع وطمع في مكاسب سريعة.
ويؤكد البرفيسور إبراهيم على خطورة الاحتطاب في حديثه ويقول: إن أوديتنا كانت سابقاً مغطاة وبشكل طبيعي وكثيف ولكن ومع تدخلات الإنسان بشكل إجرامي وباستخدام الآلات الحديثة في الاحتطاب ونزع الأشجار أصبحت مكشوفة، وكثير من الأودية شبه خالية من تلك الشجيرات، خصوصاً السمر كونها الشجرة الأكثر حظوظاً التي تنمو في بيئتنا القاسية وتستحمل المعيشة دون أمطار وتعمر من 30 إلى 40 سنة بالإضافة إلى مزاياها التي طبع عليها المستهلكون، هذا أدى إلى انتقاصها بشكل كبير جداً ومن الصعب تعويضها طبيعياً.
وحول سؤال (الجزيرة) عن الحلول الواقعية لمعالجة هذا الوضع المتأزم قال البرفيسور:
نحتاج أولاً إلى توعية إعلامية دائمة، وإلى حملات توعوية في المدارس للمراحل الابتدائية حتى الثانوية بأسلوب مختلف ومحفز لهم لينقلوا ذلك الوعي إلى أهاليهم، وبالتالي ينمو هذا الحس أكثر في المواطنين وعلى مدى عدة سنين ينقلب الحال من وضع مأساوي نعايشه الآن إلى نتيجة إيجابية مطلوبة، فنحن مقصرون في هذه الناحية، ولا أدل على ذلك أننا على أبواب استقبال الأسبوع الثالث والثلاثين لأسبوع الشجرة وما زلنا نعاني من انتهاك حرمة البيئة من أشجار وحياة!.
وبخصوص الاجراء المناسب الذي يراه الدكتور للحد من الاحتطاب خصوصاً مع قرار وزارة الزراعة في منع الاحتطاب الذي صدر أواخر العام الماضي والذي للأسف لم نشهد له أثر؟، يقول الدكتور:
المنع مطلوب وضروري، ولكن أيضا لابد لنا من إظهار البديل المناسب أولاً، فحينما نمنع غرضا ما عليه طلب كبير وكثير يجب أن نظهر بديلا مناسبا يفعل قرار المنع، وإلا فالنتيجة كما نراها من عدم اكتراث وتعدٍ خطير على البيئة، والبديل الذي ننشده هو إعادة استزراع أشجار مخصصة للحطب، وهذا من الممكن والمنطقي وبتكلفة لا تقارن.
سيول جدة
وصرح الدكتور إبراهيم محمد عارف بأن ما حدث في جدة من سيول مدمرة هي من أهم نتائج إهمال البيئة، وبين ذلك بأن من مظاهر خطورة الاحتطاب تصحر الأودية، ففي الأودية تلك التي أصبحت مكشوفة ومعراة تماماً وبالتالي افتقدت أحد أهم أدوارها، الذي يتمثل في تقليل سرعة جريان المياه بعد سقوط الأمطار إلى نحو النصف وربما أكثر نتيجة وجود الأشجار كمصد طبيعي فعّال، لهذا نلاحظ شراسة وهيجان الفيضانات في مواسم سقوط الأمطار نتيجة تلك الجريمة التي ارتكبناها في حق أنفسنا، ولا أدل على ذلك إلا ما حدث قبل عدة سنين في محافظة الخرج من فيضانات وفي حي المحمدية سابقاً.
وما شاهدناه في سيول جدة المأساوية إلا صورة من صور الاعتداء على طبيعتنا وبالتي كأننا نلقي بأنفسنا للهلاك، فما حدث أن الاودية خالية ومتصحرة، لهذا كمية الأمطار الكبيرة انجرفت بشكل هائل في طريقها التي اعتادت عليه ولكن بصورة أسرع وأكبر لتحدث من فوضى ما حدث، فلو عرفنا دور الشجرة وأعطينا البيئة حقها لنجونا بأنفسنا بإذن الله من كثير من الكوارث والمآسي.
ويشدد الدكتور على قضية التخطيط البيئي، فهو كما يقول إننا نفتقد ونفتقر إلى التخطيط البيئي، فلم نراعه في التخطيطات العمرانية رغم أهميته القصوى، فالبناء في بطون أودية أو في وسط ممرات طبيعية للسيول هو خطأ فادح لابد ان ندفع ثمنه، وللأسف لقد دفعنا ثمناً باهظا نتيجة ذلك الإهمال.
ونوه الدكتور إلى أهمية استزراع الاودية من جديد وإلى فرض أحزمة وقائية حول الأودية والمدن حيث تساهم تلك الأحزمة في تقليل سرعة الرياح والمياه والأتربة وزحف الرمال.
وتطرق الدكتور إبراهيم محمد عارف إلى حلول منطقية وعلمية لحل الكثير من مشاكلنا الوطنية، ولكنها معطلة ومهملة وطي الأدراج للأسف، ومن ذلك أشار الدكتور إلى حل نهائي لأزمة بحيرة المسك في جدة التي تعتبر للأسف أكبر بحيرة لمياه المجاري، ولكن تفتقر الحلول إلى اليد المسؤولة التي تعين على تنفيذها، فجامعاتنا الوطنية مليئة بالخبرات والعقول الماهرة ومكتظة بالأدوات والهمم العامرة التي تعين على خدمة الوطن، ولكن مازالت قدراتنا معطلة رغم ان سبق وقُدمت عدة خطابات إلى الجهات ذت الشأن.
فمن تلك الحلول تجفيف بحيرة المسك عن طريق المعالجة الثنائية للمياه وزرعها بالأشجار التي تعمل على تجفيفها بصورة صحية وبيئية، فمن الممكن إنهاء مشكلة البحيرة في غضون مدة قصيرة وتحويلها من وضعها الحالي إلى جنة أرضية مختلفة.
ويذكر البرفسور إبراهيم أن هنالك العديد من التجارب الدولية في معالجة مياه الصرف الصحي واستغلالها لتحسين البيئة، فمتى نبادر؟!
التصحر
وعندما وجهنا لأستاذ علم الغابات سؤالا حول التصحر وخطورته وكيفية التعامل معه، أجاب:
التصحر ظاهرة خطيرة جداً، فهي تعني انعدام الغطاء النباتي على الأرض مما يترك الرمال تتحرك بحرية وبسرعة كبيرة لتخلق مشاكل حقيقية من غزو الأتربة للمدن ودفنها للطرق السريعة وتغيير معالم الأرض، وللتصحر أسباب متعددة، منها زيادة الحمولة الرعوية للماشية، فالآن الغطاء النباتي على مستوى المملكة استهلك بشكل مخيف أو استنفاد كبير بسبب زيادة الرعي الجائر وازدياد عدد الحيوانات التي تفوق الغطاء النباتي، فيحدث الخلل في التوازن، على سبيل المثال الغطاء النباتي الذي كان في منطقة الشمال لأهل الشمال خاصة، ولكن مع السيارات وسرعة الانتقال من مكان إلى مكان، تصبح عملية القضاء على النبات والرعي يستغرق وقتاً قصيراً جداً مقارنة مع السابق. وقس على ذلك بقية المناطق حيث يقضى على الغطاء النباتي بالرعي والاحتطاب بالتوالي.
وأيضا من أسباب التصحر الجفاف، فله دور خلال 20 سنة الماضية، اذ لا توجد أجيال جديدة من النباتات، فنحن استهلكنا حالياً ما قدر لعشرات السنين مقبلة.
اما من ناحية التعامل معه فللأسف نحن نقف محل المتفرج، فلا يوجد عندنا برنامج وطني لاستزراع الأشجار وتأهيل الغابات والأودية والفياض والروضات، فنحن نحتاج لبرنامج وطني مثل أي دولة من دول العالم.