تنعقد في رحاب جامعة الملك سعود هذه الأيام فعاليات المؤتمر الدولي الأول للتقنية والاستدامة في العمران، والذي تنظمه كلية العمارة والتخطيط برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز، ويشارك فيه أكثر من مائة باحث من اثنتين وأربعين دولة. وتدعم كلية العمارة والتخطيط بإقامتها مؤتمرَ الاستدامة هذا؛ توجهات الجامعة نحو العالمية؛ فقضية الاستدامة في العمران تُعدُّ إحدى أهم القضايا العالمية المعاصرة والجوهرية والملحة؛ فقد أصبح غالبية سكان العالم في الوقت الراهن من سكان المدن والمناطق الحضرية، وأصبحت حياتهم غير مستدامة بشكل واضح. ونظراً لأهمية دراسات الاستدامة في مجال التخطيط والتصميم المعماري والعمراني، وتأثيرها المباشر في دعم مستوى جودة الحياة؛ فإن كلية العمارة والتخطيط جعلت هذا الموضوع ضمن أولوياتها التعليمية والبحثية والتثقيفية بصفته قضية أساسية على المستويين المحلي والعالمي.
وعلى الرغم من أن موضوع الاستدامة من المواضيع الحديثة نسبياً، والعناية المكثفة بدراساتها وأبحاثها على الصعيد العالمي لم تبرز إلا خلال العقود القليلة الماضية؛ إلا أن الاستدامة تُعدُّ مبدأ إسلامياً أصيلاً عمره يزيد على أربعة عشر قرناً ومنبثقاً من مفهوم استخلاف الإنسان في الأرض، وتكليفه بالحفاظ على مواردها، والاستمرار في إعمارها واستصلاحها، وعدم الإضرار بها أو إفسادها. ويهدف مفهوم الاستدامة في العمران إلى توفير بيئات عمرانية (من: مبانٍ، ومجمعات، وأحياء، وحدائق، ومدن، ومراكز حضرية، وغيرها) تلبِّي احتياجات الأجيال الحاضرة، وتحسِّن جودة الحياة لهم، دون الإضرار بالأنظمة البيئية، أو الإخلال بمتطلبات الأجيال القادمة واحتياجاتهم، من خلال ثلاثة محاور أساسية هي: المحور البيئي، والاجتماعي، والاقتصادي.
ومفهوم الاستدامة مفهوم واسع وعريض، حيث يمكن أن يطبق على كل جانب من جوانب الحياة على وجه الأرض، وكذلك من المقياس المحلي إلى المقياس العالمي، إلا أن العناية بتوفير عمران مستدام يجب أن تكون على رأس الاهتمامات البشرية المعاصرة؛ نظراً لحجم أعمال التشييد والبناء المتزايدة، وما تتطلبه من مواد بناء، وما تستهلكه بعد ذلك من طاقة ومياه، ومدى تأثير كل ذلك على النظام البيئي. وتشكل أعمال التصميم والتخطيط المعماري والعمراني المُحكم والسليم حجر الزاوية في تحسين مستوى جودة الحياة البشرية، وإقامة مجتمعات صحية ومنتجة، توفر حياة ذات قيمة لجميع السكان في الحاضر والمستقبل، وتعزز الاقتصاد، من دون الإضرار بالبيئة الطبيعية أو تدميرها أو الإخلال بها، والإبقاء على التنوع والإنتاجية في النظام الحيوي، وعدم استهلاك موارد الأرض أو استغلالها بشكل غير مرشد.
(*) أستاذ العمارة والإسكان بجامعة الملك سعود
alibahammam@yahoo.com