Al Jazirah NewsPaper Monday  04/01/2010 G Issue 13612
الأثنين 18 محرم 1431   العدد  13612
 
تركيا «عثمانية جديدة»؟
سوات كينيكليوجلو

 

في أيامنا هذه أصبحت وسائل الإعلام مهووسة بمسألة من «فقد» تركيا وماذا قد تعني هذه الخسارة بالنسبة لأوروبا والغرب. والأكثر من هذا إزعاجاً أن بعض المعلقين شبهوا سياسة الجوار التركية بإحياء الإمبراطورية العثمانية. ومؤخراً، ذهب أحد كبار كتاب الأعمدة في تركيا إلى حد ذِكر عبارة بلسان وزير الخارجية أحمد داود أوغلو فزعم أنه قال: «نحن في الواقع عثمانيون جُدد».

وباعتباري أحد الحضور حين قدم داود أوغلو عرضه أمام الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، فمن واجبي أن أشهد بأنه لم يستخدم هذا المصطلح. في الواقع، لا داود أوغلو ولا أي منا في دوائر السياسية الخارجية في حزب التنمية والعدالة قد سبق له استخدام هذا المصطلح، وذلك لأنه ببساطة يشكل إساءة تمثيل لموقفنا.

لقد صُمِّمَت سياسة الجوار التركية بهدف إعادة إدماج تركيا في جيرتها المباشرة، بما في ذلك مناطق البلقان، والبحر الأسود، والقوقاز، والشرق الأوسط، وشرق البحر الأبيض المتوسط. ونحن نهدف إلى تعميق حوارنا السياسي، وزيادة تجارتنا، وزيادة الصلات بين شعبنا والشعوب الأخرى في البلدان المجاورة لنا في هيئة أنشطة رياضية، وسياحية، وثقافية. وحين عمل إيجون بار على صياغة «مبدأ التقارب» في ستينيات القرن العشرين فلم يسأل أحد ويلي برانت ما إذا كانت ألمانيا قد فُقِدَت.

لقد أنعم الله على تركيا بموقع جغرافي يتطلب منا في الأساس أن نتعامل مع الشرق والغرب، والشمال والجنوب. وهذا ليس خياراً ولا ترفاً - بل هو ضرورة.

إن الرمز الذي استخدمته الإمبراطورية البيزنطية وإمبراطورية السلاجقة، والتي كانت كل منهما تحتل تقريباً نفس المساحة الجغرافية التي تحتلها تركيا اليوم، كان عبارة عن نسر ذي رأسين ينظر نحو الشرق والغرب. وليس من العجيب أن تسعى تركيا أيضاً إلى الارتباط بكل من طرفي أراضيها وأن تحرص على تعضيد أمنها بتقليص المخاطر التي قد تتعرض لها جنباً إلى جنب مع جيرانها.

لذا فنحن نرى أن المناقشة الدائرة حالياً بشأن توجهات تركيا زائدة ولا ضرورة لها، وقد تكون في بعض الأحيان نابعة من سوء نية. إن سياسة الجوار التي تتبناها تركيا تحتاج إلى الدعم وليس الانتقاد. إن تركيا تشكل أصلاً لا يقدّر بثمن في تركيبة المناطق المحيطة بنا، ولقد بدأت بالفعل في تغيير الوضع الراهن لصالح المزيد من الاستقرار. وجهودنا الرامية إلى تطبيع العلاقات مع أرمينيا، على سبيل المثال، تتجه نحو جلب التغيير إلى جنوب القوقاز بأسره. ونحن نقوم بواجبنا فيما يتصل بتقاسم الأعباء. ومن المؤكد أن الأوروبيين الواعين يدركون هذه الحقيقة.

لا شك أن بعض جيراننا يتسمون بقدر كبير من الصعوبة. ولكن لا يوجد بلد على ظهر الأرض يتمتع بترف اختيار جيرانه. إن سياسة الجوار التركية شديدة الواقعية، وهي تستند إلى مصالح حقيقية، ولا تشكّل حنيناً رومانسياً عثمانياً جديداً، كما اقترح بضعة معلقين دوليين.

صحيح أن المجال الثقافي يشهد صحوة عثمانية جديدة، وصحيح أن مواطنينا يتوقون إلى إعادة اكتشاف الحياة العثمانية وثقافتها وممارساتها. وفي حين تسعى تركيا إلى التطبيع على المستوى الداخلي، فهي تسعى أيضاً إلى إعادة تفسير سردها التاريخي الوطني. وهذا نتاج طبيعي لمساعينا الرامية إلى توطيد ديمقراطيتنا. ولكن محاولة تلوين مبادراتنا المدرسة بدقة في السياسة الخارجية بألوان استعمارية إمبراطورية لا تشكل سوء تفسير صارخ فحسب، بل تشكل أيضاً إجحافاً شديداً لجهودنا المبنية على حسن النوايا لدعم وتعزيز الاستقرار في منطقتنا.

في الأساطير الرومانية القديمة، كان يانوس إله البوابات، والمداخل، والبدايات، والنهايات. وتركيا اليوم تجسد الجغرافية الأشبه بالإله يانوس، والتي تعمل كبوابات ومداخل إلى الشرق والغرب. وهي تعرض البدايات والنهايات على القوقاز، والبحر الأسود، والبلقان، ومنطقة البحر الأبيض المتوسط.

وبهذا الوصف، فإن تركيا تكَمِّل وتسهم في إيجاد ممرات انتقال فريدة من نوعها بين مناطق كان ليصعب التواصل بينها بأي سبيل آخر، فهي ترمز إلى قرون طويلة من التعايش والتكيّف. والسياسة التركية الخارجية تسهم في التقريب بين جيرانها المباشرين وتساعد في الاتصال فيما بينهم.

وخلافاً للاتهامات الأخيرة، فإن صنَّاع القرار السياسي الخارجي لا يسعون إلى إحياء الإمبراطورية العثمانية. بل إننا نسعى بدلاً من هذا إلى إعادة إدماج تركيا على مستوى تاريخي في جيرتها المباشرة، وبالتالي تصحيح الوضع الشاذ الذي خلقته سنوات الحرب الباردة. ولا شك أن هذا من شأنه أن يفيد الاتحاد الأوروبي وحلفاءنا الغربيين في منظمة حلف شمال الأطلنطي. ولا أظن أن أياً منهم لديه أي سبب للأعراب عن عدم ارتياحه لتركيا.

سوات كينيكليوجلو نائب رئيس حزب العدالة والتنمية للشئون الخارجية، وعضو اللجنة التنفيذية المركزية لحزب العدالة والتنمية، وعضو لجنة الشئون الخارجية في البرلمان التركي.

خاص (الجزيرة)



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد