يشارك الإعلام العربي نهاية العام وسائل الإعلام العالمية في رصد وتتبع وتحليل أبرز الأحداث والإشارة إلى ألمع الشخصيات التي سطع نجمها في العام المنصرم, ونشر أكثر الصور تأثيراً في الرأي العالمي، وسوى ذلك من جردة سنوية تتبع جميع البؤر الساخنة في العالم.
لكن أعتقد أن كلمة يشارك هنا ليست دقيقة تماماً، فالراصد المتابع سرعان ما يكتشف أن الإعلام العربي بجميع فروعه ابتدأ من نشرات الأخبار مروراً بصفحات الجرائد وصولاً للمواقع الإلكترونية قد وقع في عملية قص ولزق لما تبثه المؤسسات الإعلامية الكبرى في العالم، بشكل شبه مستلب وغير قادر على الفرز بين القضايا المحلية والعالمية.. فمثلاً إحدى الصحف المحلية قد نشرت تحت عنوان (أبرز الشخصيات التي رحلت عام 2009) لنجدها شخصيات أمريكية وقد سبق رصدها من قبل موقع Yahoo!.. وأعتقد بأن الموضوع يتحكم به نقطتان:
- الأولى: هي وجود مؤسسات إعلامية كبرى عابرة للقارات وتتحكم بطبيعة الخطاب العالمي وتسيطر على توجهاته، هذه المؤسسات الأخطبوطية تملك من الهيمنة والحذاقة المهنية والتمكن من الصناعة الإعلامية، بالشكل الذي يجعل منها مرجعاً لمعظم وسائل الإعلام في العالم، حتى إن العالم كله بات يعرف كيف وأين سيقضي الرئيس الأمريكي وزوجته ميشيل وابنتاه عطلة أعياد الميلاد ورأس السنة، والإعلام هو أحد أبرز أدوات القوى العظمى في نشر وتعميم الثقافة، وكما يشير إلى هذا المفكر الأمريكي (نعوم تشومسكي) في كتابه (500 عام والغزو مستمر).
- النقطة الثانية التي تسهم في عملية استلاب (بعض) الإعلام العربي, هي الميل للاستسهال واستهلاك المادة الإعلامية المصنعة عالمياً وبعيداً عن وجود مطبخ صحفي خاص بمقاييس وخصائص مرتفعة على مستوى المهنية والحرفية الإعلامية، ليصبح قادراً عبر أدوات القياس والتحليل والمتابعة على رصد أبرز الأحداث التي كان لها انعكاسات عميقة على المنطقة، وألمع الشخصيات الحقيقية التي كان لها دور في صناعة الأحداث، وأهم المنعطفات التي أسهمت في تشكيل ملامح العام على مستوى محلي، لكن يبدو أن القوم استعاضوا بعملية القص واللزق كونها أقل جهداً وأسهل تناولاً.
لنجد في النهاية أن هذا الأمر من الممكن أن يقوم بعملية تغييب أو لربما طمس ملامح القضايا المحلية، أو لربما تتم عملية بعثرة في أولويات القضايا بشكل يلتبس فيه الأمر على المتابع العادي عندما ينتمي لقضايا لا تعنية، ويتخذ نجوماً وأبطالاً لا يمثلونه، وينخرط في تحالفات بعيدة عنه إقليمياً وبيئياً.
الإعلام هو الأداة الأهم والأخطر في توجيه وصناعة الرأي العام، وما لم تكن قد بيئت وغرست جذورها في المكان فإنها ستفقد الكثير من أدوارها ومهامها على أرض الواقع.