Al Jazirah NewsPaper Thursday  31/12/2009 G Issue 13608
الخميس 14 محرم 1431   العدد  13608

هذرلوجيا
الصقر والخطر
سليمان الفليح

 

وا طيري اللي كن عينه سناء كير

ومخالبه من كثر الادلأ دوامي

يشبه غلام مشلّحٍ له على بير

متحيزمٍ يسقى حياماً ضوامي

ولا صار ما بين السلف والمظاهير

وحباري كثر الجراد التهامي

أخوى عليهن ينثر الريش تنثير

وعلي أنا تجميعهن بالعسامي

هذا ما يقوله الشاعر البدوي عن صقره، أما الشاعر الصيني دو. فو فيقول عن صقره:

كما يتصاعد الثلج والريح كالحرير الأبيض

يتراءى لي هذا الصقر بأصابع حاذقة

يحدق مقطباً كالهمجي العابس

ناهضاً كفيه قليلاً

ليندفع نحو فرائسه ما أن يسمع صيحة منك

لينقض على حجافل الطيور التي تغطي السهول

ليغطيها بالريش والدماع.

لعل أول من عرف الصيد بالجوارح هم الفرس وكانوا يصيدون بالباز ومعرفتهم بالباز تعود إلى أن ملكهم كسرى انو شروان كان في نزهة فرأى طائراً حينما حلق بقربه خافت منه الطيور وابتعدت عنه فاصطاد حمامة وجبس على شجرة ونتف ريشها وأكل لحمها فقال الملك لرجاله. لقد رأيت من هذا الطائر ما يحير (فهو عظيم السطوة، شديد البأس، كبير النفس، طويل الصبر، جليل القدر).

وقد تعلمت منه ما لم أكن أعلم في السياسة فقد أرشدني إلى معنى التفرد، والاستئثار عن أوباش الناس وغض الطرف لاستمرار الهيبة ودوام الصمت للخديعة، والسرعة في البطش وطول الأكل للاستمراء وتصغير اللقمة للأمن من الغصة وتشمير الثوب للنظافة، ثم أمر رجاله بالقبض على الطائر وكان الطائر فزعاً من الناس حوله فأشار إليه أحد حكمائه أن يغطي عيونه فعرف (البرقع) لأول مرة.

ثم عهد به إلى ابنه (داد) الذي يحب الطيور كثيراً وكان داد يأخذه إلى البستان (باغ) وهو المكان الذي سميت بغداد باسمه أي (باغ داد) ثم أخذ داد ينزع برقع الطائر ويربطه بخيط طويل حتى ألفه وصار يدربه على الصيد وضع له (الدستبان) أي الوكر ثم وُلع الفُرس بالصيد بالباز وقد تعلمت منهم الأمم ذلك فقد قيل إن قسطنطين ملك عمورية قد درب العقاب لدرجة أنه روضها حتى أنها كانت تظلله عن الشمس وهو يسير لقنص الغزلان وكما ضرى الفرس الباز فقد ضرى العرب فيما بعد الصقر وكان أول من ضراه الحارث بن كنده إذ رأى صقراً أتى على عصفور علق في الشبكة فجعل يأكله فأمسكت الشبكة الصقر وأخذه الحارث وضراه كما كانوا يضرون الباز لذلك قيل (الباز فارسي والصقر عربي) فالباز غادر والصقر أمين لصاحبه وهكذا ظل العرب يصيدون بالصقر والكلاب إلى أن جاء الإسلام وقيل إن زيد الخير وعدي بن حاتم سألا النبي صلى الله عليه وسلم فقالا إنا نصيد بالكلاب والبزاة والصقور وقد حرم الله تعالى الميتة فماذا يحل لنا منها فنزل قوله تعالى (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب).

وازدهر الصيد في عهد الدولة الأموية وخصوصاً لدى هشام بن عبدالملك الذي عين مسؤولاً عن الصيد هو الغطريف بن قدامة أما في الدولة العباسين فقد قيل إن المعتضد كان يدفع يومياً من بيت المال سبعين ديناراً للبازيين والفهادين والكلابين والعقابين أي ما يعادل 1% من مصروفات الدولة هكذا هي الصقور كانت لها الأهمية القصوى حينما كانت هواية القنص هواية الملوك التي تجذب إليها اليوم حتى العامة وخصوصاً من أهل الخليج لذلك تجد محبي الصيد والقنص يبحثون عن إشباع هذه الهواية في أبعد البلدان وفي أخطر الأمكنة وذلك لأن القناص هو مغامر كصقره ولا يعرف الخوف بل يجري خلف هوايته مهما كلفته من مخاطر، ومن هنا تعلق شبابنا بالمقانيص مهما كلفهم الأمر من مشقة ومخاطرة وهذا الأمر لا غبار عليه ألبتة ولكن المؤسف حقاً أن هذه الهواية أصبحت تفقدنا رجالاً من خيرة شباب هذا الوطن ولعلنا لم ننس بعد أنها أخذت منا أو بسببها الصديق الراحل طلال الرشيد رحمه الله وهو من أروع وأكرم وأنقى الرجال، والذي خسرناه بسبب رحلة قنص في الجزائر وها نحن اليوم نفقد رجالاً أعزاء من أبناء الوطن بنفس الطريقة في النيجر، الأمر الذي يطرح علينا سؤالاً ملحاً -ألا وهو وبما أنه لدينا العديد من محميات الصيد التي تنتج ولا شك بالتوالد فلم لا نستورد أيضاً المزيد من الغزلان والحباري والأرانب من البلدان التي تضيق ذرعاً بمثل هذه الكائنات ونرفد هذه المحميات بهذه الأنواع لتتكاثر ثم نطلقها بصحارينا الشاسعة إذ حينها لا توجد متعة قنص أكثر من القنص في صحارينا.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد