Al Jazirah NewsPaper Thursday  31/12/2009 G Issue 13608
الخميس 14 محرم 1431   العدد  13608
ميزانية العام وتوجيه الملك
إبراهيم بن سعد الماجد

 

لما حضرت أبو بكر الوفاة أوصى عمر - رضي الله عنه - قائلاً: إني أوصيك بوصية، إن أنت قبلت عني: إن لله - عزَّ وجلَّ - حقاً بالليل لا يقبله بالنهار، وإن لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل، وإنه لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه في الآخرة بإتباعهم الحق في الدنيا، وثقلت ذلك عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الحق أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه في الآخرة بإتباعهم الباطل، وخفته عليهم في الدنيا وحق لميزان أن يوضع فيه الباطل أن يكون خفيفاً.

هذه وصية أبوبكر - رضي الله عنه - الخليفة الأول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على فراش الموت لعمر بن الخطاب، وما أعظمها من وصية من رجل دولة لرجل دولة كانت مراقبة الله هي هاجسهما الأوحد، لا هاجس آخر سواه.

أتذكر هذه الوصية وأنا استمع لكلمة خادم الحرمين الشريفين ساعة إعلان ميزانية العام التي جاءت بأرقام مفرحة نتمنى أن يصاحبها ضمائر حية وذمم نظيفة.. أتذكر هذه الوصية وأنا أعيش جو هذه الكلمة الملكية الكريمة التي جاءت من منطلقات الشريعة الغراء والتي تحمل ولي الأمر المسؤولية الكاملة في حفظ الأنفس والأموال وصيانة الأعراض والممتلكات، مسؤولية عظيمة من وعاها وأدرك عظمها فأنى له أن يستريح.

قراءة سريعة لكلمة الملك تشعرك بقشعريرة لهول المسؤولية التي تثقل كاهل من ولي من أمر أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - شيئاً، وقد استشعرها الملك عبدالله ولذا كانت لغة كلمته مختلفة لكونه يريد إبراء ذمته ليس أمام الخلق ولكن أمام الخالق سبحانه وتعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون، فالكل عنده سواء لا نداء إلا يا عبدي، لا ألقاب ولا أحساب ولا أموال.

لقد أدرك خادم الحرمين الشريفين فداحة الأمر وأن ثمة مشكلة أخلاقية تعاني منها الكثير من أجهزة الدولة، وذلك بإخفاق الكثير منها في التناغم الإيجابي مع هذه الأرقام الكبيرة في ميزانية الدولة في العام الماضي، وان مرجع ذلك يعود لفقد الكثير من التنفيذيين أدنى مستوى من الذمة التي تردعهم في أن يكونوا أمناء على ما ولوا من مسؤوليات.

نسمع عن تجاوزات هنا وهناك ولكننا لم نكن ندرك فظاعة الخطب قبل كارثة جدة، ولذا فإن في غرق جدة منحة للوطن ولقيادته في تقصي الحقائق المغيبة لانتشال غرقى الذمم وإصلاح أحوالهم، بأي شكل كان.

خمسمائة وأربعون مليار تعني أن الوطن مقبل على نهضة ستنتشل كل مواطن يعيش قريبا أو تحت خط الفقر إلى مستوى يليق بإنسان يحمل هوية كتب عليها المملكة العربية السعودية، هكذا أتخيل أو هكذا يجب أن يكون.

إن إطلاق كلمة سعودي تعني لدى غير السعوديين أنك تعيش في بحبوحة من العيش، وأنك لا تعاني من مشكلة قد تصل إلى حد الجوع والعوز في بعض مناطقنا..!!

لنكن صرحاء كما هي قيادتنا ونقولها بكل جراءة إن ثمة مشكلة أخلاقية تعاني منها أجهزتنا الحكومية، وأن داء الرشوة والمحسوبية والقرابة طغى على كل عمل جميل يمكن أن يقدم للوطن والمواطن.

ولنكن أكثر صراحة ونقول إن أجهزتنا الرقابية تعاني من تخلف كبير لا يمكن أن يتفاعل إلا (بنفض) هذه الأجهزة وضخ دماء جديدة فيها.

ولنكن أكثر صراحة ونقول إن المشكلة ستكون عصية على مبضع أمهر الجراحين إن لم نتدراك الأمر قبل أن يأتي يوم نقول يا حسرة على ما فرطنا فيه من أموال، ونندم، ولات حين مندم.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد