ذهب الرئيس أوباما الأسبوع الماضي إلى مدينة أوسلو لاستلام جائزة نوبل للسلام من يد ملك النرويج بعدما أعلن استراتيجيته لإنهاء المد الطالباني في أفغانستان وباكستان.....
.... المتمثلة في إرسال المزيد من الجنود إلى منطقة الصراع في وسط آسيا.
في مدينة أوسلو بالنرويج وفي العاشر من ديسمبر تم منح أوباما جائزة نوبل للسلام، وفي خطابه لقبول الجائزة تصدى لما يراه معظم الناس تناقضاً: حصل على الجائزة في الشهر نفسه الذي أعلن فيه تصعيد الحرب في أفغانستان، بإرسال المزيد من الجنود إليها.
لقد تطلع الحضور بشغف في حفل تسليم الجائزة ماذا عساه أن يقول بشأن السلام، لقد أكد بتواضع، آخذا في الاعتبار ما يراه الكثير من أن أخذه الجائزة كان مبكرا، أو أنه استعجل في تكريمه بمنحه هذه الجائزة على الرغم من حداثة عهده في الرئاسة.
لقد قارن في خطابه من حصل على هذه الجائزة أمثال: كنج وماندلا، ذاكرا أن ما حققه لا يقارن بأمثال من منحوا. وذكر أن بلاده لا تزال في حالة حرب وأنه يتحمل مسؤولية إرسال آلاف من الجنود الشباب من الأمريكيين لأرض معركة تبعد آلاف الكيلومترات عن بلاده وأن هؤلاء الجنود سوف يقتلون ويقتلون، وهو يشعر بمخاطر وتكاليف هذا الصراع العسكري. ولكن السؤال المطروح يتمثل في كيف سيتناول مسألة إرسال 30 ألفا من الجنود إلى أفغانستان؟ أكد أن هذه الحرب لم تسع إليها الولايات المتحدة، وذكر أن هنالك حقيقة يصعب الاقتناع بها تتمثل في أن الحرب أحيانا ضرورية، ويعني بذلك الحرب التي تخوضها بلده في أفغانستان. كما أكد على أهمية وقوف مجموعة من الدول، بشكل حازم تجاه أنظمة ظالمة في العالم مع الأخذ بالطرق الأخرى من المفاوضات وفرض العقوبات الاقتصادية، وكان يعني، لا محالة، الدولة الإيرانية.
يذكر أوباما في خطابه أن الاشتباك مع أنظمة قمعية، يفتقر إلى التخلص من مزاولة السخط، وفي الوقت نفسه يدرك أن فرض الحضر الاقتصادي دونما الاتصال والإدانة دونما المفاوضات سوف يساعد على بقاء الوضع المعاق، لا يمكن لنظام قمعي مشلول أن يتحرك في طريق جديد حتى يمكًن من النفاذ من باب مفتوح.
هنالك قضايا عالمية أخرى تناولها في خطاب قبوله للجائزة مثل التغير المناخي والنمو الاقتصادي العالمي، جميعها مضمنة في مفاوضات الأمن العالمي، حيث من شأنها تحسين الأمور الحياتية بتحقيقها الاستقرار والسلم في العالم. لفت أوباما الانتباه إلى ما قام به الدكتور كنج وغاندي من كفاح لقضايا صعبة وحققت نجاحات بشأنها. ومما ذكر في خطابه ضرورة الاعتراف بالمجاهدة من أجل الكرامة ولكن بعيون مفتوحة، إذ يمكن أن يكون هنالك حرب من أجل السلام، وربط ذلك بقصة التطور الإنساني وحتمية التاريخ البشري، وطلب من جميع العالم أن يتفهم ويحترم ما تقوم به دولته من عمل: (نتوقع أو نؤمل من جميع دول العالم، في لحظة التحدي التي نعيشها وأن يحترم الذي نقوم به، وأن يفهم ما نقوم به من عمل). أقل ما يقال عن خطاب أوباما أنه خطاب جنح فيه نحو نقاش فلسفي أو فذلكة فلسفية. فعلى أي أساس يمكن تبرير حصوله على جائزة (السلام العالمية)، على الرغم من استعمال القوة العسكرية؟ أمن أجل رئيس يصارع ويبرر قرارات صعبة تتطلبها إدارته؟
هنالك من يرى أن الرئيس أوباما يعتبر واقعيا، وأن الخطبة ارتكزت على أرض واقعية، مع ما تضمنته من مبادئ مثالية، كما بنيت على أفكار طرحها في أربعة خطابات سابقة، طرح فيها (المبدأ الأوبامي): في القاهرة وبراغ وموسكو وأنقرة. يمكن اعتبار الخطاب بمثابة التوبيخ (للأحادية) و(الشوفنية) الطاغية على أيام رئاسة بوش، وفيها محاولة للتصدي للمتناقضات. وهنا يمكن النظر أن ثمة مقارنة بين رئيس حرب سابق، ورئيسٍ داعٍ للسلام حالياً، على الرغم من أنه اتخذ قراراً بتصعيد الحرب. ولكن ألا يعتبر هذا تناقضاً في حد ذاته؟
ويبرر الأمريكان ذلك بالجانب المعقد من حضارتهم، ففي الوقت الذي عارض ويعارض الكثير كلا من: الحرب التي خاضتها إدارة بوش في العراق، والحرب التي ورثتها إدارة أوباما، والحرب التي يتبناها أوباما في الوقت الحاضر، هنالك من يرى أن ثمة من جاهد من أجل التغيير بطرق سلمية مثل مارتن لوثر كنج، إذن المسألة نماذج تذهب ثم تعود. ولكن تظل الحقيقة التاريخية قائمة لا غبار عليها: من يجنح للعنف أولئك الماسكون بزمام القوة، ومن يجنح للسلم أولئك الضعفاء المستندون إلى المبادئ التي ينادون بها. ومن المؤكد، وبغض النظر عن أي شيء، فمن المعلوم تاريخيا أن الصراعات يقبع من ورائها عوامل كثيرة ومعقدة ولن تزول مظاهر الصراع إلا بإزالة عوامله ودواعيه، وهنا يتطلب تضافر الجهود المحلية والإقليمية والدولية من أجل التصدي لصراعات كبيرة ومعقدة.
ومن المعلوم لدى المتخصصين في التاريخ أن الدول تجنح للحروب إما بسبب الخوف أو من أجل الشرف أو المصلحة. وحرب مثل حرب العراق، قد يكون لها ما يبررها، ولكنها لم تنفذ بطريقة صحيحة، أي ارتكبت فيها أخطاء جسيمة نتج عنها أضرار عظيمة، إذ قد يكون من المصلحة اتخاذ قرار يبنى على الأخذ بأقل الضررين. ولكن هذا المبدأ لم يطبق بالنسبة للحرب العراقية. والآن، ماذا عن الحرب في أفغانستان؟، هل هي مبررة؟، وما السيناريو الذي يمكن أن يقال في حالة تراجع أمريكا عن شن حملتها العسكرية، الأعنف من ذي قبل، ضد المد الطالباني؟ أسوف تشتد ضراوة الحرب الأهلية في أفغانستان؟ أم سيتفاقم تصدير النزاع إلى دول مجاورة لأفغانستان وغير مجاورة؟ أسئلة مطروحة نود أن يجاب عليها.