Al Jazirah NewsPaper Thursday  31/12/2009 G Issue 13608
الخميس 14 محرم 1431   العدد  13608

أوتار
أبواب التطرف
د. موسى بن عيسى العويس

 

ربما يعتقد البعض أن التطرف الفكري انقلاب مفاجئ في سلوك الإنسان، ولا تتظافر على تشكيله وتكوينه عوامل كثيرة، وربما سيطر على أذهان البعض كذلك أن التطرف يبدأ بالتكفير وينتهي بالتفجير والقتل ويغفلون عما سوى ذلك من المراحل الأولية التي يلج من خلالها المنظرون والمؤدلجون لهذا الاتجاه، وأحياناً يفوت علينا أن لكل مسرب من مسارب هذا الفكر الدخيل أجندته الخاصة ووسائله وأساليبه التي تمارسها كل فئة بمعزل عن الفئة الأخرى في الظاهر، ولكنها في الحقيقة تتحد في غاياتها وأهدافها، وتنظوي تحت قيادة فكرية واحدة، وهذا هو مكمن الخطورة في التنظيم، حيث إن لكل مسار فئات عمرية محددة، ومستوى متماثل من القدرات، الأمر الذي يستعصي على المتتبع لهم جمع الخيوط بكل يسر وسهولة. أبواب رئيسة للتهيئة والانخراط في هذا الفكر، أو التيار:

الأول: ركوب باب الدعوة إلى الزهد، واحتقار الحياة، والترغيب بالآخرة، والتمظهر البسيط في المأكل، والمشرب، والملبس، وهذه أول الممارسات، أو درجات الغسيل والتحول، وكثيراً ما يستهدفون فئات عمرية صغيرة، ومن طبقات محددة، وفي الغالب لا يكون لها تلك الارتباطات الاجتماعية والأسرية، ومن الطبيعي في ظل تلك الأجواء التي يعيشونها أن تنقاد لأدنى المؤثرات، بوصفها مبتورة في روابطها القوية، ولذلك كثيراً ما يصطحب كلماتهم البكاء، والانتحاب، والندب، ولك أن تتخيل إنسان بسيط في تفكيره، بسيط في تجربة الحياة، لا يعدو كونه مجموعة من العواطف تلامس مسامعه مثل هذه الأقوال، أو الخطب، أو المحاضرات: (أين أصحاب الأعمال والولايات؟... أين الذين عمروا القصور والدساكر؟.. أين الذين فرشوا القصور حريرا وقزّا؟.. أين الذين ملؤوا الخافقين فخرا وعزا؟.. أين الذين دانت لهم المشارق والمغارب؟...:

أين الوجوه التي كانت محجّبةً

وكان من دونها الأستار والكللُ؟

فأفصح الغير عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتلُ

تمر السنوات، الأربع، والخمس، وهذا الإنسان يعيش بضغوط من هذه الهواجس، والشعور، والأسلوب، ولا يلتفت إلى ما سواها، متناسياً كل ما ورد في محكم التنزيل، وما جاءت به السنة النبوية في ضرورة عمارة الأرض، والتوازن في بناء الحياة، لتناغم كل المكونات لهذا الكون العظيم.

الثاني: من الطبيعي أن يترتب على هذا التصور للحياة، وتخلص الإنسان وتحرره من كافة الروابط الدنيوية أن يتهيأ كل التهيئة للكفر بالأهل، والقريب، والعشير، وكتب التراث، والتاريخ، والسير مليء بالحوادث والأحداث، توظف مع الأسف مبتورة من سياقها الصحيح عمداً، ومصادر التشريع لا تخلو كذلك من القصص والمواقف، فذاك يقتل والده، وأخ ينقض على شقيقه، وزوج يفارق زوجته، ورجلٌ يهجر عشيرته وأهله. متى كان ذلك؟ وكيف؟ ولماذا؟ كلها أسئلة يتحاشون الإجابة عليها أحياناً في مناهجهم الخفية والظاهرة، وأسلوب التعمية والتأويل لا يتورع قيادات هذا الفكر من الأخذ بها.

الثالث: ومتى تشرّب الإنسان هذه القيم والمبادئ، وآمن بها، وتشكّل في ذهنه، واستقرّ في وجدانه بدأ في تصنيف الناس، ومحاولة تبيّن انتماءاتهم، والتنظير لكل فئة وحزب وتيار، وأصبح هو الشغل الشاغل له في الحياة. ومن أجل هذا كله لا يجد الإنسان أمامه، وهو يعايش الأحداث، ويستقرئ التغيرات، ويتأمل الصراع بين الحضارات والمذاهب إلا ولوج أبواب التكفير لمن خافه في مبدأه، وقيمه، وتفكيره، وهكذا إلى أن يصل في النهاية إلى القتل والتفجير. ا ه

dr_alawees@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد