Al Jazirah NewsPaper Thursday  31/12/2009 G Issue 13608
الخميس 14 محرم 1431   العدد  13608
الحبر الأخضر
قميص يوسف 1-2
د. عثمان بن صالح العامر

 

الإعلام عندي مضلل ومحايد وموجه له رسالة محددة يريد إيصالها للمتلقي، ولعل هذه الصور الثلاث تجتمع وتُختزل في الأحوال التي مر بها قميص يوسف عليه السلام، ففي الأولى مارس الأبناء مع أبيهم التضليل المتقن محاولة منهم إظهار الأمر على أنه حقيقة قطعية لا مجال فيها للشك (وجاءوا على قميصه بدم كذب) - لاحظ الأبناء - وكان الرد من الأب يومئ بعدم انطلاء التزيف الإعلامي عليه (قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) وذلك لما يحمله عليه السلام في داخله من قناعات يصعب زعزعتها، قد تكون هذا القناعات نتيجة طبيعية لمشاعر الأبوة أو لضعف اللعبة الإعلامية التي قدمت بين يديه أو غير ذلك مما يمر على كثير منا حين يشاهد قناة إعلامية تسوق للعقائد والأفكار أو الأشخاص أو حتى المنتجات، إذ إننا نحاول أن نقرأ ما خلف السطور ونبحث عن الحق الكامن تحت الركام ونقلب وجوه الاحتمالات وندقق في الصور والكلمات، ومرة أخرى القميص يلعب دور الإعلام المحايد.. (وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين) عرض الحقائق كما هي بلا تدخل أو تفسير وبيان، ومع أن الخيار مقنع والتهمة واضحة والدليل بين إلا أن عزيز مصر عاقب يوسف عليه السلام!!، ولذا قد ينصرف الإنسان عن الحق الأبلج الذي تتناقله وسائل الإعلام لهوى في نفسه أو لصارف عارض فرضته عليه معطيات الواقع وظروف الحال أو بناء على أطر فكرية أو عنصرية أو سياسية أو اجتماعية أو حتى رياضية، أما الحالة الثالثة للإعلام فهي تتماثل مع حالة الإعلام الموجه، وطرحه الحق بأدلته وكامل دلالته وهذا حال قميص يوسف عندما حُمل لأبيه (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً وأتوني بأهلكم أجمعين، ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون). وربما كان من البواعث الكامنة وراء اللجوء إلى مثل هذا النوع من الإعلام إزالة ما علُق في الذهن من خلال التشويه الذي يمارسه الإعلام المضلل (قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم) أو أن للبعد المكاني والزمني الذي معه يندرس الحق وتضيع معالمه دوره المهم في توظيف هذا النوع من الإعلام، أو من أجل استغلال عنصر المفاجأة الذي يهز القناعات ويهدم التصورات التي بنيت خلال العمر وبوسائل مختلفة، وكل هذا يصب في النهاية فيما يسمى محاولة بناء الصورة الذهنية الإيجابية لدى المتلقي، وإعادتها إلى ما هي عليه بعد أن شوهت وبدلت في مدارك الناس.

ليست بحاجة إلى تأكيد أهمية الإعلام في هذا الزمن بالذات، وليس المقام مقام الحديث عن تنوع وتعدد وتطور وسائل الإعلام عبر التاريخ، ولكن ما دعاني إلى التعريج على هذا الموضوع إجابة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لجريدة السياسية الكويتية عن سبب إطلاق قنوات إعلامية إسلامية جديدة، حيث أشار - أيده الله - إلى التشويه الإعلامي الذي مورس من قبل الكثير إزاء هذا الدين العظيم حتى اختلط الحق بالباطل في ذهنية المتلقي في الداخل والخارج (القميص الأول) فأصبحت الحاجة ملحة لوجود إعلام موجه (القميص الثالث) ينقل الإسلام الوسطي للعالم بأسره لعل العيون تبصر وترى النور من جديد. وللحديث بقية وإلى اللقاء والسلام.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد