لم يعد التفكير دعوة تُلقى من على منابر الإعلام، بل صار ممارسة يتم تعلُّمها والتدرب عليها والإبداع فيها للوصول بمهارات الفرد وحياته إلى مستويات أرفع ومواقع أرقى.. فقط بممارسة التفكير والبراعة فيه..
فتعليم التفكير والتدريب عليه أصبح اليوم حاجة أساسية في بناء الفرد وبناء المجموعة.. لذلك يجب تعليمه منذ الصغر.. وتوجيه مناهج التربية والتعليم وبرامج التدريب والإعلام نحو الرفع من قيمته.. كما رفعه الله تعالى في كتابه الكريم بذكره والحثّ على ممارسته في أكثر من خمسمائة موضع.
وقد يتساءل الفرد منا: هل التفكير يحتاج إلى تعليم وتدريب؟.. ألا يولد الإنسان ويتعلم التفكير ويمارسه كما يتعلم لغة أمه وينطقها؟ والحقيقة أن ذلك صحيح!.. فالتشابه بين تعلم اللغة وتعلم التفكير كبير.. ولكن هل كل من تكلم بلغته يستطيع أن يكتبها ويعبر بها التعبير الأمثل؟.. فمعرفة اللغة والتعبير بها التعبير البسيط المباشر شيء.. ومعرفتها والتعبير بها بعمق وجمال وإحاطة شيء آخر يحتاج إلى تدريب وتأهيل.. وكذلك الحال بالنسبة للتفكير.. فكل مخلوقات الله تفكر تفكيراً غرائزياً بسيطاً مباشراً.. وهو تفكير يصب في اتجاهات حماية النفس أو طلب الغذاء والماء.. إلا البشر فقد ميزهم الله عن سائر المخلوقات بملكات التخطيط والتحليل والاستقراء والاستنباط وغيرها.. وهي ممارسات وإن بدأت بالفطرة إلا أنه يمكن تطويرها وتحسين مخرجاتها بتعلمها والتدرب عليها.. من هنا فالتفكير مهارة مستقلة بذاتها ولا يعني كونك إنساناً أنك تجيدها بالشكل الصحيح.
إن التربية والتعليم أهم وسائل التنمية على الإطلاق.. وهي المتوقع منها أن تقود الفرد إلى أن يتعلم التفكير الممنهج المخطط.. بعيداً عن ردات الفعل ومشاعر اللحظة والانجراف خلف العاطفة والاستكانة للظروف وصوادفها.. أو الاستسلام للتوجيه مهما كان مصدره.. فالتفكير السليم يمنح صاحبه القدرة على تحديد المسار والسير فيه.
المشكلة أن التربية محاطة بمؤثرات الثقافة والعادات والتقاليد المحلية والمؤثرات الوافدة عن طريق الإعلام الذي ملأ فضاء حياتنا.. والتي يمكن أن تقود الفرد إلى أن يكون فرداً منتجاً أو عاطلاً.. مفيداً أو ضاراً.. دافعاً أو معيقاً.. بمعنى آخر يمكن أن توجه هذا الإنسان إلى أن يكون جزءاً من المشكلة.. أو أن يكون جزءاً من الحل.
إن تعليم التفكير في عصرنا الحديث لم يعد ممارسة كمالية.. بل أصبح مهارة أساسية لا بد أن يتسلح بها كل فرد في مجتمع يطمح إلى التقدم والعلو.