في مناسبة عاشوراء لم نكن نشاهد هذه الكثرة والمبالغة لمواكب اللطم وضرب الزنجيل على الظهور حتى تدمى وتطير هامات الرؤوس فتسيل الدماء راسمة صورة دموية، مجسدة هوساً هستيرياً محولة ذكرى عاشوراء إلى مسيرة دموية في الليل والنهار.
كان قبل استغلال المناسبة من قبل التيارات السياسية الطائفية ممن يحيون المواكب الحسينية ويقيمون مجالس القراءة يظهرون حبهم وتذكرهم لمأساة أهل البيت في كربلاء ويحيون يوم العاشر من عاشوراء وقبله من أيام بتسيير مواكب يرددون أشعاراً و(ردّات شعبية) يجيدها شعراء متخصصون ودون صخب تنتهي تلك المواكب، أما مسيرات ضرب الزنجيل فكانت تتم بمسيرة واحدة في المدن الكبرى، وتحجم كثير من المجتمعات الشيعية في إقامة مسيرات (القامة) التطبير وهي تلك التي يضرب فيها المشاركون في تلك المسيرات هامات رؤوسهم بالسيوف، لما تمثله هذه العادة من انتهاك لحرمة الدم، ولبشاعة الفعل وما يخلفه من دماء، ولهذا فقد حارب المرجع الديني الشيعي محمد حسين فضل الله هذه العادات واعتبرها مسيئة للصورة الإسلامية ولذلك فهو لا يؤيد مسيرات التطبير خاصة وضرب الزنجيل ومسيرات اللطم، وإن حث على عقد مجالس القراءة بعيداً عن ترديد الخرافات التي لا يقبلها العقل، والتي عادت لتسيطر بقوة على المشهد الطائفي.
وقد كادت هذه العادات والأساليب تختفي وخاصة في لبنان والعراق إلا أن المسيرات والمواكب عادت وبقوة وبأسلوب مخترق من قبل الأحزاب الطائفية وأصحاب الأجندات المشبوهة، فأخذ (الدم المجاني) يراق في شوارع كربلاء والنجف والكاظمية والمدن الإيرانية والهندية وبعض الباكساتية واللبنانية وظهر المسلمون كما صورتهم عدسات وكالات الأنباء والمحطات الفضائية وتقدمهم لغير المسلمين وكأنهم وحوش قساة وهذا يجعل كل من يشاهد تلك المناظر يتصورون أن كل المسلمين يمارسون هذه الأعمال التي تثير الاشمئزاز عند المشاهدين من غير المسلمين، وحتى المسلمين الذين يرفضون أن تراق دماء المسلمين بلا قيمة ولا معنى فاستعادة مأساة أهل البيت في كربلاء والتذكير بموقف ذبيح الأمة الإمام الحسين الرافض للظلم، واستعادة هذه الذكرى التي يجب أن يتفاعل معها جميع المسلمين بتأكيد القيم الإسلامية التي تظهر عظمة الإسلام في تحضر وفهم وليس تعميم صور للتخلف ونثر الدماء وانتهاك حرمة الإنسان وكرامته باللطم والضرب وتعميم لهوس هستيري على شكل طقوس بعيدة عن قيم وممارسة المسلمين الأولين.