حجبتني عدة ظروف عن تلبية دعوة مركز الحوار الوطني للمشاركة في مؤتمر (الخطاب الثقافي السعودي.. آفاقه ومستقبله) يومي الأربعاء والثلاثاء الماضيين في الأحساء، حيث يجمع نخبة من مثقفي الوطن، ولكنني وددت هنا أن أرسل من نافذتي تلويحة، كتحية لفكرة اللقاء وأهدافه، تلك الفكرة التي تختزل عددا من المؤشرات الإيجابية التي يجب أن نشيد بها وعلى رأسها: الاحتفاء بالمثقفين والتعويل على دورهم المهم في تشكيل الرؤى المستقبلية للمكان وفي صناعة الرأي العام، وجميع المهام التي تضطلع بها نخب الانتلجنسيا في المجتمع.
ومن هنا بالتحديد تأتي أهمية اللقاء كونه يمثل عملية تدوير للسلطة الفكرية وإعلاء سقوفها بحيث لا يستأثر بها طرف دون آخر، ويستطيع الجميع الحصول على المنبر والحيز المناسب للتعبير.
فالفعل الثقافي عموما لم يعد فعلا مترفا هامشيا تمارسه النخبة فيسقط عن البقية، بل هو أصبح أحد الأنشطة التي لابد أن تتاح للجميع وتكون بالمتناول كحق طبيعي للإنسان المدني المتحضر، وهذا لا يقتصر على احترام التنوع الثقافي، بل التأكيد على أهمية التنمية الثقافية بجميع جوانبها، وقد أشرت في مقال سابق أن مفهوم التنمية الثقافية مفهوم حديث بالنسبة لأدبيات التنمية لكن أهمية البعد الثقافي للتنمية قد جعلت المفكر الفرنسي (لويس دوللو) يعتبر الإعلان عن حق الإنسان بالثقافة - كأحد بنود حقوق الإنسان الدولية - أحد الثورات الثقافية الهامة في القرن العشرين، فهو يرى (أن الإعلان عن الحق في الثقافة يمثل (الثورة الثقافية) الثانية في القرن العشرين، فتجريد الإنسان من حقه في الثقافة - بصرف النظر عن الحقوق السياسية والاقتصادية الأخرى يساوي تجريده من بشريته وآدميته، فهو الكائن الوحيد المثقف، بمعنى القادر على الخلق عن طريق التفكير).
ومن هنا تأتي أهمية الثقافة وأدوارها التنموية المتعددة، لكن نجدها على المستوى المحلي، ما برحت فعلا محدودا نخبويا، دون أن تسهم بشكل واضح في المسار التنموي، وأعتقد أن التوصيات التي خرجت من مؤتمر الأدباء الثالث في الرياض، من الممكن في بعض جوانبها أن تستعمل كمؤشر يحيلنا إلى أبرز متطلبات الفعل الثقافي والتي منها:
- دعم المؤسسات الثقافية، واعتبارها جزءا مهما وحيويا في عملية التنمية بجوار التعليم لاسيما بالنسبة للناشئة, فالثقافة لها دور مهم في الرقي بالأذواق والعقول وتهذيب النفوس، وحثها على الفعل الخلاق مع السعي إلى الالتزام بالقيم الكبرى من حق وخير وجمال.
- رفع مستوى الحريات والنقاش على المنابر الثقافية بالشكل الذي يجعله يعكس حاجات وتطلعات المجموع دون تصيد أو تربص أو تفسيرات خاطئة، لأن المثقف النوعي في العصر الحديث يضطلع بأدوار ريادية في بلورة الرؤى المستقبلية، بل هو العراف الذي بعين بصيرته يستقرئ الغد، فلا بد أن يتجاوز أدواره السابقة كشاعر بلاط، إلى مهام تجعل منه يحمل مسؤولية جمعية ومحورية.