اختتمت ظهر أمس أعمال الجلستين الرابعة والخامسة من جلسات المنتدى السنوي الخامس للجمعية السعودية للإعلام والاتصال.. وقد ترأس الجلسة الأولى الدكتور محمد الحيزان.. وشارك فيها الدكتور عاطف الرفوع بورقة تحت عنوان: الثقافة العربية ومحتوى الفضائيات العربية.. وبيَّن أن عدد الفضائيات العربية يبلغ أكثر من 300 محطة تلفزيونية فضائية تتنوع برامجها وتستحوذ على نسبة تتراوح بين 11% و40% من عدد ساعات البث.. وتستحوذ البرامج الثقافية والمنوعات الغنائية والدراما والترفيه على ما نسبته 60% من ساعات البث الفضائية.. وتبلغ نسبة البرامج المعدة محلياً أو عربياً في القنوات الفضائية العربية بين 55-84% بينما تشكل نسبة البرامج المستوردة من 15-45% وتشكل الفضائيات العربية وفقاً لدراسة إعلامية 73% من مصادر الأخبار لدى المشاهد العربي.
وأوضح الدكتور الرفوع أن الدراسة أعطت الكتاب المرتبة الأولى من حيث المصداقية والموضوعية وجاءت المرتبة الأولى في أهمية الأخبار الصحف وكذلك إثارتها للفرح والسرور وأعطت وسيلة الإنترنت المرتبة الأولى في تقديم المعلومات التي يفكر فيها الشخص، كما تطرقت الدراسة إلى الوقت الذي يقضيه الجمهور للمشاهدة.. وبين أن 49% يشاهدون البرامج الإخبارية مقابل 31% يشاهدون البرامج الثقافية والفنية.
وأوصت الدراسة بدفع وسائل الاتصال إلى إبراز الواقع وتنمية حرية التعبير وتركيز الأبحاث على توضيح الإطار المرجعي للاتصال والإعلام بما يتلاءم مع مكونات الأمة الروحية.
ثم قدم الدكتور فهد العرابي الحارثي ورقة عمل بعنوان: (الإعلامي الجديد ومستقبل الإعلام) أوضح فيها أنه تم إجراء استطلاع اشترك فيه (704) من رؤساء التحرير وكبار محرري الصحف الدولية وتوصل إلى أن 44% من الناس سيحصلون على الأخبار من الإنترنت خلال السنوات العشر المقبلة.. مؤكداً أن الإعلام ووسائل أخرى لم تعد محصورة كالسابق بين الصحافة الورقية والتلفزيون في شكليهما التقليديين وقد دخلت عناصر جديدة غيرت تماماً من طبيعة الصراع ووسائله.. وقد أعلنت مؤسسات وشركات نشر إفلاسها في أمريكا وبريطانيا وغيرهما من الدول الصناعية المتقدمة وصادف هذا (الأزمة العالمية).
بعد ذلك قدم الدكتور ياسر الشهري ورقة بعنوان: الاستثمارات الإعلامية للمؤسسات الخيرية مبيناً أن التجارب الاستثمارية في صناعة الإعلام على المستوى العربي تشير إلى اتجاه معظم هذه الاستثمارات إلى تحصيل العوائد الربحية على حساب سلم الحاجات الاجتماعية والقيم والمبادئ الثقافية وهذه الوضعية أوجدت حاجة ملحة لظهور تجارب استثمارية خيرية في صناعة الإعلام تعمل عى تحقيق متطلبات صناعة إعلامية واتصالية متقدمة وتوفير كوادر بشرية مؤهلة لتوظيف الإعلام لقيم المجتمع وحاجاته الرئيسة.
وأضاف الشهري أن الاستثمار الخيري في المملكة لم يدخل في صناعة الإعلام.. موضحاً أن التجربة ما زالت ضعيفة ودراسات الجدوى تظهر قلة الجدوى.
وبيَّن الدكتور الشهري وجود صعوبات في الاستثمار في هذا المجال منها الضعف الإداري وقلة الطاقات المؤهلة ورصدت الدراسة بالتحليل التجارب الإعلامية الاستثمارية (امتلاك، إدارة، تشغيل) للمؤسسات والجمعيات الخيرية الكبرى في المملكة، في مجالي الاستثمار الإعلامي بنوعيه (التقليدي والجديد)، وفقدت هذه التجارب لتقديم رؤية حول الاستثمار الخيري في صناعة الإعلام، والتداعيات المتوقعة لذلك على الواقع الاجتماعي والثقافي في المجتمع السعودي.
بعد ذلك قدم الأستاذ الدكتور عبد الله الرفاعي ورقة عن مستقبل الصحافة المطبوعة تحت عنوان: غروب صاحبة الجلالة.. وطرح في بداية اللقاء تساؤلاً: هل هي أزمة صحافة أم أزمة نشر طباعي؟ وأوضح أن الطباعة ما زالت صناعتها سارية ولكن إذا فهمت أسلوبها وتوخت طريقها.. وأشار إلى أن مستوى المتابعة لوسائل الاعلام ارتفع ولكنه اتجه نحو الوسائل الأخرى وغير الورقية.. ونبه الدكتور الرفاعي إلى خطر الثقافة الرقمية على القراءة والكتابة.. وفي ختام ورقته أوضح أن كثيراً من الباحثين يبشر بشروق الصحافة الربحية التي هي أساس العمل الصحفي.. مؤكداً أن المستقبل لوسائل الاتصال التي قامت بتخصيص أقسام لهذه التطورات الحديثة في مجال الإعلام الاتصالي.
أما الجلسة الأخيرة فكانت عبارة عن ورشة عمل حول كيفية تأسيس مشروع إعلامي قدمها الأستاذ ياسر المسفر مدير تطوير الشراكات بصندوق المئوية.. وتطرق إلى أن التخطيط بشكل عام سواء كان للحياة أو لإدارة مشروع ما تريد الإقدام عليه بحاجة لعدد من الأسئلة.. وتسمى أسئلة أو أدوات المخطط، وقد حصر بعض المختصين بمجال التخطيط ستة أسئلة سُميت بأصدقاء المخطط الستة.
أوراق الجلسات
وقد قدم في الجلسة التي أدارها الدكتور فهد العسكر أربعة متحدثين. وكانت الورقة الأولى بعنوان العوائق الاجتماعية للاستثمار في المجال الإعلامي للدكتور عبدالله ولد أباه، وتوقف فيها عند العقبات الاجتماعية الأساسية التي تحول دون الاستثمار في المجال الإعلامي، ترتكز على عوامل ثلاثة رئيسة:
أولاً: صورة الإعلام في القطاع الخاص التي تتداخل مع بعدي السياسة والثقافة، فالإعلام في بعده الخبري ينظر إليه كنشاط سياسي صرف، وفي بعده الثقافي ينظر إليه كترف فكري لا أثر له على حياة الناس. وبطبيعة الأمر تعاني هذه الصورة من اختلالات جوهرية باعتبارها لا تدرك الحقيقة الجديدة للإعلام من حيث هو نشاط تنموي يرتبط باقتصاد المعرفة القائم على مجتمع المعلومات والثورة الاتصالية الراهنة.
ثانياً: ضعف وهشاشة الثقافة الإعلامية المشتركة في مجتمعات لا يزال الإعلام الرسمي يشكل المرجعية الرئيسة للإعلام، مما يحوله إلى احد مشمولات الأجهزة الحكومية، بدل اعتباره خدمة عمومية ونشاطاً إنتاجياً.
ثالثاً: محدودية الطبقة الوسطى المثقفة في المجتمعات العربية، مع الوعي بأن هذه الطبقة هي الفئة المستهدفة بالنشاط الإعلامي العمومي، في الوقت الذي أثبتت الدراسات الميدانية أن النخب البورجوازية الميسورة تفضل المنتوج الإعلامي الأجنبي على المنتوج العربي المحلي وأن الفئات الشعبية المحدودة الموارد تكتفي بالمنتوج الترفيهي العام والمجاني.
وكانت الورقة الثانية بعنوان الاستثمار في الإعلام العربي والتحديات الثقافية والاجتماعية للدكتورة نهوند القادري عيسى والتي أوضحت فيها أنه عدما أصبح الاستثمار في قطاعي الإعلام والاتصال عملة رائجة في البلدان الصناعية المتطورة، انسحب الأمر على البلدان العربية، خصوصاً في فترة الفورة النفطية. وكان أن اتسمت معظم هذه الاستثمارات بالارتجال والشخصنة وضعف الإنتاجية غياب التخطيط وضبابية الرؤيا، وأحياناً عدم مقدرة على المنافسة.
وكي لا يتحول الاستثمار في الإعلام إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر، وكي لا يفاقم التلوث الإعلامي من مشاكل المجتمعات المتعثرة في نموها بالأساس، لا سيما في ظل المتغيرات التكنولوجية والاتصالية المتسارعة غير المترافقة مع تغيرات مماثلة لها على الصعد السياسية والاجتماعية والثقافية، لابد وأن يضع المستثمرون في الحسبان جملة أمور من أهمها:
إن تنامي الاستثمار في صناعة الاتصال والإعلام وما سمي بصناعة الترفيه في البلدان الصناعية الكبرى ترافق مع رواج مفاهيم نيو ليبرالية أطلقت العنان لاقتصاد السوق، مجيبة على متطلبات النظام الاقتصادي، تحت عنوان: الاستهلاك في خدمة الإنتاج. مع الإشارة إلى أن آليات النظام الرأسمالي برهنت على مرونة ومقدرة على فرز آليات تصحيح الخلل من داخلها.
إن العولمة الاقتصادية ترافقت مع عولمة ثقافية فتحولت الشركات العابرة للقارات إلى مركبات صناعية عسكرية ثقافية، صناعة الإعلام والاتصال والترفيه مكون أساسي من مكوناتها، أي غدت هذه الشركات ممسكة بآليات صناعة المعنى في العالم، وهذا ما أنعش المطالبة بالحمائية، بالمسؤولية الاجتماعية، والحفاظ على الهوية الثقافية في بعض البلدان الأوروبية.
إن الفجوة بين البلدان الصناعية وبلدان العالم الثالث ما برحت تزداد عمقاً، لا سيما على مستوى الصناعة الإعلامية والاتصالية، الرقمية.
باختصار، يجد المستثمر نفسه أمام خيارين: بين أن يكون مردود استثماره شخصياً، مباشراً، وآنياً وسريعاً وبأي ثمن، أو أن يكون المردود مؤسساتياً، غير مباشر، وعلى المدى الطويل، فيحوز المستثمر على سمعة مواطنة جيدة، مرتدياً صفة الرأسمال المواطن من منطلق مساهمته في تنمية المجتمع، وفي تنمية الرأسمال البشري، ما ينعكس إيجاباً على استثماراته في مجالات أخرى.
من جانبه تحدث الدكتور المنصف العياري عن الاستثمار العربي في المجال التلفزيوني: بين معادلة الكسب المادي والمحتوى الجيد، وتطرق إلى توصيف الخارطة التلفزيونية العربية في الوقت الحالي ومحاولة تفسير ظاهرة تنامي عدد هذه القنوات بشكل لافت للنظر مما يدعو إلى طرح التساؤل المركزي التالي: هل أن غاية باعثي هذه القنوات، وأغلبهم من القطاع الخاص يسعون إلى الاستثمار في مجال يعود بالفائدة المادية الكبيرة بالاعتماد على عائدات الإعلانات والمسابقات الجوفاء فقط أم أن هناك رغبة حقيقية في النهوض بواقع الإعلام المرئي العربي حتى يكون قادراً على منافسة القنوات الأجنبية التي مازالت مسيطرة على سوق الاستهلاك المرئي في العالم؟.
وأوضح أن تحقيق معادلة جني الأرباح من الاستثمار في المجال التلفزيوني والترويج لمحتوى جاد يرتقي بالمشاهد العربي إعلامياً وثقافياً وحضارياً.. يبدو أمراً صعب التحقيق باعتبار أن أصحاب القنوات يعللون ضعف نسب حضور البرامج الثقافية والحوارية الهادفة وبرامج الأطفال المحلية بتطلبها نفقات طائلة. وفي المقابل فإن الجمهور لا يقبل على متابعتها مثلما يفعل إذا تعلق الأمر ببرامج مسابقات جوائزها مغرية أو برامج تروج لتجارة الوهم ومعرفة الغيب وعلاج الأمراض المستعصية.
وإذا تأملنا في الخارطة التلفزيونية العربية فإننا نجد أن البرامج ذات الصبغة الترفيهية تحتل أكثر من نصف المساحة الزمنية للبث على أغلب القنوات.
كما تطرح مسألة أخرى تتمثل في انتشار القنوات المشفرة التي تعتبر من الكماليات لدى البعض ومن الضروريات عند البعض الآخر. وتضاف إلى هذا مسألة البث الحصري للأعمال الدرامية أو المقابلات الرياضية أو غيرها مما أدى إلى بروز طبقة جديدة من المشاهدين وهي طبقة المحرومين من المشاهدة لسبب أو لآخر.
ووجدنا أنفسنا إزاء عالم ثالث من المشاهدين في صلب العالم الثالث بالتسمية المتعارف عليها.
وستحاول المداخلة تقديم بعض الحلول العملية لكي نوفق ولو بنسبة معينة في تحقيق المعادلة بين ضمان وجود القناة واستمراريتها وبين استهداف الجمهور بمواد تلفزيونية دسمة وثرية تشد الانتباه ولا تكرس الانغلاق أو الانبتات أو التسطيح الذهني.
وتحدث الأستاذ فوزي بن دريدي عن الاستثمار في الإعلام والاتصال وانعكاساته على الهوية الاجتماعية في الوطن العربي مؤكداً أن الاستثمار يرتبط في الإعلام والاتصال -من حيث المنطلق- بالمحددات الاقتصادية من حيث الجدوى والعائد الماديين، غير أن خصوصية قطاع الإعلام والاتصال تتجاوز هذا الاستثمار من بعده الاقتصادي الخالص إلى اعتباره نمطاً من أنماط (التنشئة الاجتماعية) التي تساهم في تكوين هوية الأشخاص ضمن بيئة ثقافية معينة.
إن التطرق للعلاقة التي تربط الاستثمار بالهوية الاجتماعية في الوطن العربي له كل الأهمية، من حيث محاولة رصد الأهداف والاستراتيجيات التي تعمل الفضائيات العربية الخاصة على بلوغها، وأشكال (الهويات) التي تخاطبها أو تعمل على تشكيلها أو تعديلها. فالمقارنة البسيطة بين الفضائيات الخاصة والعمومية تبين مدى الفرق الواضح في مضامين الرسائل الإعلامية التي تنقلها للمشاهد العربي.
سنحاول في هذه المداخلة أن نتعرف على مدى انعكاس الاستثمار المتنامي في قطاع الإعلام والاتصال -السمعي البصري على الخصوص- في الوطن العربي على الهوية الاجتماعية فيه.