انفرطت لغة صَمتها في حميمية لتلتقي مع أفكارها في ركن قصيّ بعيدا عن عالم الأحياء الضاجين بالأهواء, رَغِبت أن تذوّب سلوك قَلبها المُتماهي بالرِقة متخطية كل حصون البشر, لتتبخر سعادتها على مائدة الحياة الملتهبة, وبِلُغَة تتعالى على الحزن قدّت (حَياة) ثوب الصمت لتعلن أنها سوف تغادر ُمدن الألم إلى جزيرة الحرية, فقد تقصت أخبار هذه الجزيرة مما دعاها إلى محاولة تغيير سلوكها وأفكارها ليتسنى لها
العيش الهادئ بعد رحلة طويلة من الإقصاء النفسي والجسدي، مرددة بينها وبين نفسها عناوين أطلقي المارد كما يقول «انتوني روبنز» الخبير المتميز في علوم الأداء، وكذلك ستيفن كوفي وعاداته السبع مرورا بالثامنة، كانت تقنع نفسها أن الخلل يكمن بداخلها, وان ترتيل الألم الذي تسمعه دائماً غالبا ما يأتي من داخلها, فتُجاهد صوت الألم الذي يُرعد داخلها, وتساؤلات كالشهب تخترق مجالها العقلي, فهي تحس بالذنب كلما فكرت لماذا هي هكذا؟!أحيانا تُصيبها شرارة اليأس, وأحايين أخرى تدب في نفسها روح الحماس لتدافع عن نفسها كإنسان قبل أن تكون نوعا, تعشق «حياة» أدب الحروب, وتاريخ الحضارات الإنسانية, وتحب أعمال الديكور وتنسيق الألوان ومع ذلك هي فاشلة في الدفاع عن أفكارها وتنسيق ألوان حياتها..!!
على لسان «حياة» يجري هذا الحوار داخل نتوءات روحها قائلة: «عشقت أدب الحروب لأنه أدب إنساني ويشبه قصتي, هو يحكي قصة صراع من أجل الأفضل, قصة متفردة ومليئة بالإثارة ولا تتقادم عبر الزمن, فتاريخ الحروب أزلي نشأ مع الإنسان بتواز, وتاريخ أنوثتي نشأ مع أول صراع بين قابيل وهابيل من أجل أنثى, منذ ذلك التاريخ أصبحت شيئا قابلا للتداول, ومحاصر بين الحطام, فأنا مرة أُقطَف من غُصن, ومرة أخرى أُغتَرف من ماء, مطلوب مني دائماً أن أكون كشجرة صبار أزهِر في الصحراء القاحلة بلا ماء».عندما تتلبس «حياة «هذه الفانتازيا من التساؤلات التي تزاحم كل جوارحها، فتمزق خرائط المكان والزمان, وتسير تتقاذفها حمى البوح، حتى الآن هي لا تعرف لماذا تصاب بهذه الحمى العنيدة، ولكنها تتساهل معها وتدعها تستلم دفّتها، قد تكون «جرعة مهدئة» من الأمان وسرّ القوة الخفية التي تتمتع بها، فتلوذ بفرح عامر يشتت من حولها, وتكون غير مفهومة, وكأنها تتفرج على نفسها من خلال ألبوم صورها, تناجي نفسها وتعقد عليها أمل بات مستحيلا مُحَاولة رتق فجوة لم تصنعها أو حتى تسهم في صنعها. فقد سقط قلبها في جب صامت, وما زال يسقط، لم تسمع صوت للارتطام حتى الآن..!!
تقول «حياة» مدافعة عن نفسها: «أنا لا أعيش مع فراعنة الموت, ولكني أرغب في إلقاء حجارة من سجيل الغضب على من يقيد إنسانيتي باسم حمايتي, لا أستطيع تمرير ممحاة الصبر على قلبي ورغباتي, فلم يلتقطني بعض السيارة من البئر لأصبح ملكة مصر, بل عاملوني مثل امرأة نوح وامرأة لوط..!!
لعل حياة ترغَبُ في جيش طارق بن زياد, لتعيش مَلحمة النصر على جنسها المعنون بالدرجة الثانية, أو ملك الخواتم لتختبر به مشاعر من حولها المبعثرة, فطوفان الأذى والتهميش يسيل مع كحل عينيها, يحاول شق طريقا لمُدن في عقلها, تخليدا لذكرى بشريتها, وتأكيدا لوجودها الإنساني.
تقول زينب: حياة بلا حياة.
zienab_76@hotmail.com