تابعت خلال الأيام الماضية فعاليات المؤتمر الثالث للأدباء السعوديين الذي رعاه خادم الحرمين الشريفين وافتتحه معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز محيي الدين خوجة، وحدثت نفسي عن زمن ورحلة ليست بالقصيرة من العمر ارتبطنا فيها بعالم جميل من الأدب والإبداع ورموز كبيرة هي أعمدة الأدب السعودي في مرحلة مهمة من تاريخه، وكثيراً ما أجد نفسي مشدوداً لزمن الرواد الذين أثروا عقولنا ووجدانا الوطني والإنساني وذائقة لغتنا لفترات طويلة وعلى مدى أجيال.
ويحزنني كثيراً مثل كل جيل أن نرى عزوفاً واضحاً من قامات أدبية وثقافية بارزة عن الساحة إلا في مناسبات ثقافية وأدبية في فترات متفاوتة، ومع أن الحضور أكثر من الأكاديميين المتخصصين في الأدب واللغة، إلا أن الرموز الأدبية من جيل الرواد ومن تبعهم يمثلون جوهر كل لقاء بما قدموه للمكتبة السعودية والعربية من ثروة إبداعية وتراث جميل يحمل عبق المكان وتاريخ هذه الأرض الطيبة التي انطلقت منها الرسالة، مثلما قال معالي وزيرنا المبدع في كلمته عن قيمة انطلاقة المؤتمر الأول في مكة المكرمة قبل أكثر من ثلاثة عقود ونصف، وكيف أسس أدباء الرعيل الأول ومن تلاهم من رواد الأدب والفكر في الوطن أهم مؤتمر أدبي شهدته البلاد في تاريخها.. وندعو مع دعاء معاليه بأن يجزي الله أولئك خير الجزاء وأن يرحم من انتقل إلى رحابه وأن يسبغ ثوب الصحة والعافية على من متعهم الله ببقائهم، وقد كابدوا صعاباً وهم يؤسسون لثقافة تحتفي بالإنسان وتحترمه.
وسواء اتفق الأدباء على ما خرج به المؤتمر الثالث أو أبدى البعض ملاحظات بشأن الساحة وحقوق الأدباء فإن هذا المؤتمر هو خطوة مهمة للحاضر ولما هو قادم من طموحات تجد الرعاية الكبيرة من الدولة.
والحديث عن الأدب والأدباء له شجون تمتد إلى عالم الصحافة الذي حمل صوت الأدباء وأوجد جسوراً معبدة وسهلة ومباشرة ساهمت في في رسالة الوعي باعتبار الإعلام نافذة مشرعة على المجتمع والساحة تطل من خلالها على إبداعات المبدعين أدباً وفكراً وثقافة، وهو ما يدعو الصحف والمجلات العامة والثقافية بأن لا تتجاهل الساحة ولا تغرق في هموم السياسة العالمية وأرقام المال والأعمال فقط، وبأن تعيد قبساً مما اتسمت به صحافة الأفراد التي ارتبطت بالأدب لغةً وإبداعاً.
هذه الخواطر كانت مدار حديث ذي شئون وشجون مع حبيبنا الأديب والكاتب المعروف الأستاذ عثمان محمد مليباري والأستاذ منصور السيد أكرم، حيث سعدت قبل أسابيع قليلة بزياراتهما لي في منزلي بجدة، وقد تجاذبنا أطراف الحديث والذكريات عن شارع الصحافة في عهد الأفراد ثم في عهد المؤسسات وعن الحاضر وسيول جدة.. والأستاذ عثمان مليباري متعه الله بالصحة والعافية، غني عن التعريف بشخصيته الودودة الحميمة أو بما أسهم به وقدمه للمكتبة السعودية والعربية أدباً وكتابةً وإصداراتٍ مهمةً، لكني أذكر بالتقدير ما قدمه من جهد موثق في إصداره الهام (بلابل العرب) والذي جمع فيه صديقنا المليباري كوكبة من أفذاذ الشعراء السعوديين والعرب في القرن العشرين وانتقى من أسمائهم ونتاجهم الشعري ما يعطر وجداننا ويثري ذاكرة الأجيال صوب بلابل العرب.. وقد اختار من المملكة والدول العربية قامات شعرية كبيرة وأمتعنا منذ نحو 6 سنوات وأكثر بهذا الكتاب القيم.
لقد أكرمني حبيبنا الصديق العزيز المليباري بهذه الزيارة الكريمة، ومشهود له بصفاء قلبه ووده، وتواصل في زمن عز فيه التواصل حتى بين الأدباء، فما بالنا بالأجيال الجديدة وقد انحسرت تطلعات الكثيرين منهم على الماديات الطاغية في السعي الحياتي والخطاب بين الناس، وهو ما يدعو إلى إعادة النظر في مدى حضور الخطاب الثقافي لتأصيل خطاب الوعي والكلمة الطيبة بكل أشكال الإبداع والله الموفق.